أمّهات الانتظار 

سارّة خليفة
سارّة  خليفة
سارّة  خليفة


سيّدة تنشرُ صُورة لعدد المرّات الّتّي ظنّت بها أنّها حامل، وكانت نتيجة اختبار الحمل سلبيّة، تخيّلُوا أن تصل إلى قمّة الحُلم وتسقط عنه. تجمعُ هذه السيّدة أحزانها، تضغطُها، تعلبها، وترينا إياها، هكذا حين تنتشرُ الصّورة قد تكفّ عنها الألسنة السّامة.
تخاطبُ جنيناً لم يكوّره رحمها: يلومُونني لأنّني لم أنجبك يا حبيبي تراهم يعتقدون أنّني لا أريدُك؟ ليتك تُخبرهم عن أحاديثنا الليليّة. أنا أبكيك كلّ ليلة، أطلب لقاءك وإن كان آخر يوم  في عمري.
من السهل أن نكتب قهرنا، أسهل من البوح به؛ لذلك أجدُني ممتنّة لهذه الجُدران الزّرقاء التي فكّت العُزلة عن بعض الحزينات قبلهنّ وقبل التكنولوجيا لم يكن متاحاً للحزينات أن يحزنّ بكرامة.
(أ) أمّ لفتاة رائعة قبل أن تُولد الصغيرة عاشت (أ) سنوات عجاف: 
كنتُ أتفادى الحديث عن الموضُوع بالجلسات العائلية، ثمّ صرتُ أتفادى المُناسبات الاجتماعيّة. العيدُ صار مدعاة لرثاء حالي وحال زوجي من طرف العائلة.
أكثر ما أذكُره هو نصيحةُ والدتي: لا تفوّتي حفل زفاف قريبة زوجك فستكون الموسيقى صاخبة ولن يسألك أحد. 
من بعيد على الطّاولة المقابلة لطاولتي بحفل الزّفاف أشارت إليّ قريبة لزوجي مُسنّة بادلتها التحيّة بالإشارة؛ لتعذّر وصول صوتي إليها بسبب المُوسيقى فأسرعت بالإشارة إلى بطنها ثم بيدها رسمت لي علامة استفهام؟
صارت العُزلة شرطاً أساسيّاً للمضيّ في حياة لا يكدّرها الآخرون.
في العمل كذلك!
تروي لي سناء - أخفيتُ اسمها الحقيقي - عن عودة زميلتها بعد عطلة الأمُومة،  فالإدارة الجزائريّة تمنحُ للأمّ ساعتي عطلة من الدّوام يوميّاً بأوّل ستّة أشهر بعد العودة إلى العمل، ثمّ  تتحول إلى ساعة بعد انقضاء الأشهر الستّة وإلى آخر العام.
وهذا القانون مكسب للنّساء يجبُ أن تشجّعه النّساء كافّة، لكن أن تمنح ملفّات الموظّفة الأم كاملة إلى زميلتها التّي لم توفّق في أن تصير أمّاً عوضاً عن تقسيم العمل على الزملاء كافّة فهذا ما يجب الوقوف عنده. 
بداية رفضت سناء أن تتحمّل عبء المكتب بمُفردها. استدعتها المديرة، وبعد أن شرحت لها سناء ضرُورة توزيع العمل على الطّاقم الإداري وافقت وهذا ما تم فعلاً، لكن زميلة أخرى تدخّلت بشماتة: 
"نحنُ مشغولات بصغارنا وأنت حُرّة معظم اليوم لماذا لا تعملين عوضاً عنّا؟"
 لم يكن هذا من منظور قانون العمل عُنفاً لفظيّاً. كان مجرّد سُؤال حاقد لا تملك سناء أمامه سوى الردّ بأسلوب من طرحته نفسه.
أنا لن أسكت لهنّ أبداً، كلّ من تهين أمُومتي الغائبة أردّ عليها إهانتها، أتصنّعُ القوّة وأبكي آخر اليوم بمفردي لا أريد لزوجي أن يحمل همّي أيضاً. أشفقُ على أبوّته المجروحة التّي تشبه أمومتي. 
يحزنُني أن تمرّ المرأةُ دون الرّجل - الشريك بعمليّة الإنجاب - بما تمرّ به هذه السيّدات وغيرهنّ، كيف بإمكان البشر أن يُؤذوا إنسانيتهنّ، يشكّكن بأنوثتهنّ فقط؛ لأن الخطّ الأحمر الثّاني قد تأخّر في الظّهور على اختبار الحمل، وكيف النّساء يُزايدن على نساء مثلهنّ بنعمة لا تتحكّم بها أيّ منهن؟