صوت المرأة الكاتبة 

سارّة خليفة
سارة خليفة 
سارة خليفة 

يشبه الأمر أحيانا تهمة لذيذة: فلانة كاتبة؟ ويقترب السؤال الثاني من: لماذا؟ بدل أن يكون: هل بإمكاننا أن نقرأ لك؟ لماذا تكتب امرأة تعي بأن المجتمعات المنغلقة لا تشجع كثيراً على ارتفاع أصوات النساء؟ 
عن تجربتي الخاصة، لا أحد من العائلة يشجعني على الكتابة باستثناء خال وحيد مولع بالأدب، على الرغم من انشغاله بمهنته النبيلة، خصوصاً من تناقش في كتاباتها بعض الخطوط التي لوّنها المجتمع بالأحمر فهابت النساء تخطيها حتى لا تصيبهن بلوثة الدم، لون الشرف الوهمي، الذي وضع على أعناقهن.
أتذكر مشاركتي الأولى بمسابقة «آسيا جبار»* بمجموعتي القصصية «على سرير الزعيم»، ودهشة النّاشرة السيدة ليلى التي استقبلتني في مكتبها، وهو جزء من مكتبتها الجميلة في الجزائر العاصمة.
شابة من ولاية (محافظة) داخلية تكتب عن نساء كمّم المجتمع أصواتهن؟ أحييك على شجاعتك وأنت توصلين صرخة السيدة المغتصبة من زوجها في قصة «الزهرة المهبولة».
كانت القصة حقيقية للأسف؛ ولأنني من ولاية داخلية وقد اشتغلت سنوات عديدة في الأرياف فإنني أقرب إليهن، النساء اللواتي يقهرني صمتهن المميت، انتحرت مثلاً - كان ذلك في 2018 - شابة من ريف قريب لمدينتي، تناولت نصف دلو من المبيد الزراعي، واستسلمت للموت في الزريبة، وجدوها هناك، ولن يفيدها حزنهم الآن وقد وضعت حداً لمعاناتها بين زوج يرفض رؤيتها في بيته، ووالد يرفض عودتها إلى بيته. غادرت الشابة إلى بيت لا يرفضها!
كيف لا أكتب عنهن وعن قتلتهن الصامتين؟ وهل تمنعني عن الكتابة أصوات القتلة؟ ذلك أن كل مبرر لقتلتهن قاتل مؤجل..
سؤال آخر طرحته عليّ محاورتي في بث مباشر لمنظمة النساء الجزائريات في بريطانيا: ما هدفك من الكتابة عن النساء اللواتي تقولين إنهن قضيتي الأولى؟ 
-هدفي وإن قرأَ لي قارئ واحد قصةً أو مقالاً، وكان من معنفي النساء، ولو نفسياً، أن يعيد حساباته ذلك أن هناك الكثير من الرجال لا يصلهم أن الأذى النفسي بقدر الأذى الجسدي.
.. سؤال آخر جرّه هذا الجواب 
ماذا عن النساء، هل تعتقدين أن كلّ النّساء يحبذن أن تتحدثي عنهنّ؟
أعرف أنني سأجد دائماً ضحية تبرر لجلادها، وأنا لا ألوم الضحية أبداً، لا أضغط عليها، ولا أحب أسلوب النساء المقيمات في أبراج المجتمع العالية بتحريض المرأة المعنفة على التحرر، بينما هي لا تملك من التحرر إلا معناه المربك. من دون سقف وعائد مادي ومجتمع مساعد كيف تعيل السيدة نفسها؟ وهل للشّعارات التي نتناقلها هنا وهناك أثر على القانون؟ هل تغير شيء منذ عقود بخصوص منحة الأمهات الأرامل أو المطلقات؟ 
لاحظت الآن بأنني انطلقت من الكتابة عن مشاغل المرأة الكاتبة إلى الحديث عن النساء المسحوقات من دون تعليم واستقلالية مادية في الأرياف والمناطق التي تحرم على المرأة حريتها، وما يحدث معي يتكرر دائماً حين سؤالي عن مشاكلي ككاتبة، أجيب إنني كامرأة واعية لا مشاكل لي، ولا أهاب أن يصنفني الآخر بتصنيف لا أحبه؛ ذلك أن هدفي - الذي شرحته من دون قصد مني هنا - أسمى من أوسمة المجتمع المخادعة؛ وهذا على الأقل طريق اخترته بإرادتي، وهي ما أحب أن تتمتع به جميع النساء: إرادة تغيير واقعهن. 
أضيف، أنني لا أدين الرجل ولا أحقد عليه بأي حال من الأحوال وأن التعنيف في الأسرة قد يكون من الطرفين، لكنني أميل إلى النسبة الأكثر تضرراً فقط.