من أنا؟

مها طيبة

 

لم يكن سؤال «من أنا؟» مطروح في صغري.. كنت متأكدة أني أعرف من أنا وما هو هدفي في الحياة.

 كنت ببساطة شابة سعودية أطمح أن أسهم في تطوير نظام التعليم في وطني، وأن أترك بصمة إيجابية على حياة الملايين من الطلبة والطالبات. صحيح أنني اخترت لنفسي مهمة صعبة ومسؤولية كبيرة ولكن كنت دائماً أعتقد أني أهلٌ لها. وبهذا الهدف والحماسة المصاحبة له ولبدايات الشباب، مضيت قدماً بكل جد واجتهاد.. وفي الحقيقة لم يكن عندي - بفضل الله - ما يمنعني من تحقيق كل ما أريده. استطعت تحقيق أغلب ما طمحت إليه في حقبة لم يكن متوقعاً أن تحقق المرأة السعودية فيها تلك الإنجازات. ومن وظيفة إلى أخرى ومن منصب إلى أعلى زمنٌ مَرّ في ومضة عين، وكلي فخر بإنجازاتي ولله الحمد.

ولكن سؤال «من أنا؟» بدأ معي منذ عدة سنوات، بعد أحد أهم الاجتماعات التي أسهمت فيها على مستوى وطني.. والغريب أن هذا السؤال ظهر لي فوراً بعد مشاركة ناجحة أثنى عليها من حضر من العرب والعجم. انتابتني حالة من الضيق والتوتر بعد الاجتماع، عكس ما كنت أتوقع تماماً، فخرجت وأنا أتساءل: «ماذا لو لم يكن ناجحاً؟» «من أنا بدونه؟» هل أنا الوظيفة والمنصب؟ هل أنا الخبرة والمهارة؟ هل أنا الابنة البارة أم أنا الصديقة القريبة؟ «من أنا؟» من أنا من دون حياتي المهنية ومن دون حياتي الخاصة؟ هل أُعرِّف نفسي من خلالهم فقط؟ أم أنا شخصية اعتبارية بغض النظر عن وجودهم؟ هل أنا أفكاري ومشاعري وحواسي الخمس؟ هل أنا جسدي وحدسي واختياراتي؟ من أنا؟ كلما خصصت وقتاً للإجابة عن هذا السؤال القصير والعميق يصيبني الإرهاق، وأحياناً القلق.. حتى لاحظت أنني أصبحت أتجنب السؤال أساساً. كنت قلقة أني لا أجد إجابة شافية ترضيني. بدأت أتعمد أن أُعَرِّف نفسي باسمي فقط من دون لقب، ولا منصب، ومن دون أي قصة. «أهلاً أنا مها، كيف الحال؟»، وبدأت ألاحظ النظرة التي تنتظر مني المزيد، وبدأت أنتبه لغيري الذي يضيف بعد اسمه ألقاباً ومناصب وشهادات وتجارب وقصصاً وعبر..

نعم هذه الأمور حقيقية ومهمة ولكن هل سردها يواسينا إلى أن نكتشف من نحن بدونها؟ وهل ممكن أن نحب أنفسنا ونرضى عنها في غياب التعريفات؟ رحلة اكتشاف «من أنا؟» رحلة جميلة ومتقلبه ومليئة بالمفاجآت والاعترافات.. وبعد البحث والتأمل والقراءة والمناقشات الطويلة مع نفسي ومع غيري من المختصين تأكدت أخيراً أن أفكاري ومشاعري وقراراتي هي الجزء المتغير من كياني.. أما وعيي الداخلي بذاتي وروحي الحقيقية التي تراقب حياتي وتلهمها فثابتة.. وكأني أدركت وجود مسافة بين روحي المستقرة وبين كل الأحداث والأفكار والمشاعر التي تزاحم حياتي..

هذه المسافة الحكيمة تركت لي فرصة أخذ نفس عميق واليقين أن هناك بدائل مختلفة.. وأن حياتي فيلم وأنا المخرجة التي تتحمل مسؤولية مسار القصة بتفاصيلها.. ما زلت أُعرّف نفسي للغير بمنتهى البساطة وبابتسامه هادئة «أنا مها».. ولكني اليوم اقتربت أكثر لروحي الحقيقية وبدأت أستمتع بالجلوس على كرسي المخرج.. كرسي الوعي الداخلي.