إنسانيتنا الرقيقة

مها طيبة

 

عندما يُذكر اسم "محمد" يصلي معظم الناس على نبينا محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم. ولكن في الوقت نفسه قد تتذكر أم ولدها "محمد" الذي يدافع عن الوطن في الحدود الجنوبية وتدعو له بالحفظ والسلامة، وتتذكر شابة مديرها "محمد" الذي وقف بجانبها للحصول على الترقية التي كانت تحلم بها وتتمنى له كل التوفق، بينما يترحَّم أب على ابنه "محمد" الذي توفي في حادث سير وتبتسم زوجه عندما تتذكر زوجها "محمد" الذي فاجأها بسيارة جديدة البارحة. على الرغم أن الاسم واحد ولكن المشاعر والأفكار مختلفة، فالدماغ يشكل ارتباطات مختلفة في دواخلنا مع كل كلمة نسمعها فيصاحب الكلمة صوت وشعور وفكرة. وتمر بنا الأيام والمواقف وترتبط بنا ملايين الكلمات بطريقة فريدة وتولد في دواخلنا مع كل كلمة مشاعر وأفكار مختلفة كل بحسب تجربته. وقياساً على ذلك فكل مكان ومدينة، كل رائحة ومنظر وصوت يسترجعه الدماغ يأتي بما ارتبط به من مشاعر وأفكار. فالرائحة نفسها قد تكون مريحة لشخص وقد تثير القلق عند آخر. وهذه الارتباطات التي تتشكل في دواخلنا مع كل شيء يمر بحياتنا هي ارتباطات شخصية لا يمكن لأي شخص أن يجزم معرفة تفاصيل ما يمر به الشخص الآخر...

والسؤال الآن... هل ندرك فعلاً هذا الاختلاف الذي نعيشه كأفراد؟ هل ينعكس هذا الوعي على سلوكنا وتصرفاتنا وآرائنا؟ أم أننا نستسهل التعميم وإطلاق الأحكام على غيرنا في كثير من المواقف؟ هل نسرع في افتراض ما هو "الأفضل" ونتوقعه من الآخرين؟ هل ردود أفعالنا تأخذ بالحسبان التمايز الكبير بيننا وبين ارتباطاتنا مع العالم من حولنا؟  هل نسأل أنفسنا باستمرار لماذا يتصرف الآخرون بطريقة "مختلفة" أو "غير منطقية" - في رأينا - أما أننا أجزمنا نقص الحكمة أو الخبرة عندهم؟ هل هم حقاً "مزاجيين" عندما يرفضون الذهاب إلى مطعم نقترحه؟ هل ممكن أن تكون تجربة الشخص مع هذا المطعم مؤلمة ولذلك يرفض الذهاب إليه؟ وهل نحكم على قرارات غيرنا من خلال ارتباطاتنا وخبراتنا الشخصية؟

أيامنا مليئة بالتجارب والمواقف التي ينتج عنها ملايين من الارتباطات التي يشكلها الدماغ في لحظات بسيطة... ومع تكرار المواقف تتعمق هذه الارتباطات وتصبح هي حقيقتنا التي نستجيب بها للآخرين نقرر من خلالها... هذه العملية الدماغية المعقدة عملية فطرية وطبيعية وأساسية، والمطلوب منا أن ندرك حدوثها وأثرها على قراراتنا الماضية والحاضرة وما نقرره في المستقبل، ونوظف هذا الفهم لزيادة وعينا الداخلي وأن نلتمس العذر لأنفسنا ولغيرنا عندما نتخذ قراراً "غير مبرر" للآخرين... ولأننا نعلم أن إنسانيتنا رقيقة تتأثر بأبسط الأمور فيصبح البديل الأمثل هو التفهم والاستفسار واللطف والتسامح مع أنفسنا ومع غيرنا.