شرح مفردات

شهلا العجيلي

كنت وطفلتي، ذات السنوات التسع، في السوق الشعبيّ، وإذ بسيّدة تحمل بين ذراعيها ماكينة خياطة يدويّة من ماركة (سنجر) والتي كانت موجودة في معظم البيوت في طفولتي، وخمّنت أنها ذاهبة إلى حيث ستصلحها. سألتني ابنتي عن الأداة، فشرحت لها، وقد فوجئت بجهلها إياها، ثم فكرت في مشروعيّة سؤالها، فهي لم تر مثلها في حياتها ما بعد الحداثيّة، إذ تعيش في عائلة نوويّة، وفي عاصمة منفتحة، تشتري ثياباً جاهزة، وتصلحها عند خيّاط في (مول) قريب، وحين تلعب على الآيباد تلبس شخصيّات اللعبة ما تنتقي لها من إمكانيّات متاحة في البرنامج بين يديها بكبسة زرّ. قادتني هذه الحادثة الصغيرة إلى قياس تحولات حياتنا وسرعتها، فبالنسبة لي عرفت أجهزة الأسطوانات الموسيقيّة الـ (غرامافون) والـ (بيك أب) في بيت جدّي، وقد غدت الآن نوعاً من الـ vintage التي نجدها غالباً في المتاحف، وعرفت الآلة الكاتبة التي اخترعها هنري ميلر، وحلّ محلّها الكومبيوتر، وشهدت تحول تخزين النصوص من الأقراص المرنة إلى الأقراص المضغوطة، التي لم تعد تظهر، تاركة الفضاء للفلاش ميموري، أو الذاكرة المحمولة، والآن تخزن المعلومات على  ذاكرة المخدّمات أو الآي كلاود. ومع حديثنا عن رومانسية الكتاب ورائحة الورق، وحميمية ذكرياتنا مع الحرف المكتوب، فإنّ الكتاب الورقيّ، وهي بالنسبة لي فكرة قاسية، سيتلاشى وستختفي معه المكتبات العامرة، أو أنها ستخرج من الخدمة وتبقى على سبيل الحفاظ على التراث المادي، وقد نضطر كثيراً لشرح هذه المفردات التي تخص الاختراعات السابقة المهجورة. 
لا يمكن أن ننكر سلسلة التحوّلات العلمية هذه، مثلما لن ننكر تحقّق حضورنا في أكثر من مكان في آن واحد عبر زووم، أو أية منصة أخرى، وبالقياس على ذلك نجد أن عشبة الخلود فعلاً قد أضحت في المتناول، فحسب عالم المستقبليات الأميركي، راي  كرزويل، فإن  النانوتكنولوجي ستنتج روبوتات بحجم كريّة الدم الواحدة، يمكن حقنها في الأوعية الدمويّة والتحكّم بها من خلال كومبيوتر، لتقوم بإصلاح التالف من خلايا الجسم، واستئصال الأورام، وإعادة حيوية الجينات، وهذا ليس ببعيد، بل بحلول 2029! كما تحدّث كرزويل عن إحداث الآفتار Avatar، وهي الأجساد الآلية التي ستستقبل أدمغتنا، وفي مرحلة أخرى ستجمع شخصيّاتنا، أي ذكرياتنا ومشاعرنا وتجاربنا جميعاً، وردود أفعالنا، في USB، وستكون جاهزة لتوضع في أيّ آفتار، وبذلك يكون لنا شكل من البقاء الأبدي، أو الخلود. وعلى الرغم من أن هذه التكهنات مبنيّة على تاريخ ضخم من البحوث والإنجازات، استطاع فيروس كوفيد 19 أن يقعدنا سنتين في المنازل، ويعطّل رحلتنا إلى الطرف الآخر من المدينة!.