الحياة كما أراها

أمينة الصيباري

الحياة، هذه الكلمة التي تتحرك حين تنطق، نكاد نسمع نبضها في أي مكان في النص. تحمل عنفوانها في ذاتها ولطالما احتفت بها الأغاني. الحياة حلوة بس نفهمها ردد البلبل ذات أغنية، معترفاً ضمنياً بأنها غالباً ما تكون ضحية لسوء الفهم.. هل نفهمها حقا؟ أم نكتفي بعبورها كمركب يجعل وجهته؟..
الحياة كما أراها زهرة تنبت في أصيص أو في حقل تتبع دوران الشمس بحثاً عن الدفء والنور، تتمدد في الأرض بقدر رغبتها في الابتعاد عنها، تجاور السنابل الممتلئة والنباتات الطفيلية، تقاوم قساوة البرد وشح الماء وأحياناً كثيرة تسافر بعيداً وتقيم على صخرة أو في فج إسمنتي متحدية قواعد الكيمياء.  
الحياة كما أرددها قصيدة نعيد ترتيلها كل يوم وفق مزاج الفصول وحركات الكواكب المعلقة في الرأس. حسب منسوب الأمل في الدم والأدرينالين في المعاني، وكذلك وفق ما تسمح به فسح الصمت.
الحياة كما أكتبها مجاز يكبر في الخاطر، يحفل بكل الأشياء المجهرية التي تصنع العالم الضاج بالتفاصيل المنهكة، اللاذعة كبهارات شرقية تصنع الفرق في النكهة، في اللون وفي اللسعات الراعية للذوق.
الحياة كما ألمسها لوحة تبدأ مجللة بالبياض ثم تحتلها الأشكال. هكذا، قبل أن تحمل الفرشاة عليك أن تفكر في اللون، تتقن اللعب بالظل والضوء، تخط معالم الشكل وتنتقي ما يلائمك، نظرتك دليلك. تعلم كيف تثق في مراياك كي تكون اللوحة أقرب ما تكون للفكرة. تموقع في مكان ملائم لتكسب رهان المسافة.
الحياة كما أقترفها أغنية تدون بقوافيها وموسيقاها، بإشراقاتها وهفواتها ببريق الأمل على سطح مائها... وحين يصيبنا التعب نتوقف، نضع الفواصل والنقاط، نبني أسواراً للتعجب ونزرع أشجار الاستفهام... نفتح أقواساً للذاكرة لتقول ما خفي في ثناياها. 
الذاكرة جارة ماكرة تتلصص على الصغيرة والكبيرة لتقذف، لحظة الغضب، بكل شظاياها في وجهنا حمماً وبراكيناً.. تنفجر من دون سابق إشعار.
الحياة كما أهواها نهر يعانق الحجارة في الطريق ويواصل المسير غير مبال بالحشائش الطافية ولا بمكر الطحالب. صامت حيناً وهادر أحياناً. يبسط ذراعيه للأشرعة ويعانق النجوم.
الحياة كما أشتهيها مغامرة تحفظ طراوة الدهشة الأولى تبقي المفاجأة في كامل أبهتها وتزين الأسرار أروقتها. لم أذهب إليها يوماً متأبطة حاسبة أو حاملة خريطة. أدرك تماماً أن الطرق المعبدة لا تؤدي إلى البحر والمسالك المبسوطة لا توصل للنبع. أتخفف في الطريق كي لا أتعثر بشيء. أحمل في المخلاة  فكرة، فكرة واحدة تكفي ليبدو العالم أكثر احتمالاً وتتبدى المسارب السرية للطريق.
أنا بعشق الطريق تقول نجاة لأن فيه لقانا...
الحياة كما أعشقها طريق نلتقي فيه ونفترق وبين لقاء وفراق نتذكر، نلملم جراحنا ونواصل المسير حتى تبقى كلمة الحياة نابضة ودماؤها متدفقة في العروق، حتى تبقى الحياة منتفضة، متمردة إلى أن تغرق في أردية السكون الأبدي.