ألم أحذرني من نفسي.. ومن كورونا!

نادين الأسعد

أنا التي اعتدت على الصوت والصمت. على الليل والنهار. على الدفء والصقيع.
على الفيء والشمس.
أنا التي لا تصاحب إلا خيالها، ولا تعترف إلا بمشيتها ولا تتحدث إلا مع عصافيرها.
أنا التي لا تخاف من الحرية بل تدللها، وتقدّس التعبير وتخشاه، أعترف الليلة بحنين داعبني، بحضور صعقني. 
 أنا التي اشتاقت إلى عناق الطرقات، وإلى حضور الحفلات والبحث بين الوجوه عنك.
أنا التي حاربت ما حاربت من إرهاق ونعس ووقت عليل، وما عانيت من وطن كان يوماً وطناً ومن دمعة كانت فرحاً ومن موت كان حياة، ومن ألم كسّر أقلامي ومن نار أحرقتني أنا ومدينتي ومزقت أشلاء جسدي وروحي وذاكرتي، فالعار أصبح مسكني ودمعي يضحك على دمعي.
مررت أمام عينيّ.
وكان يكفي أن تبتسم حتى ينهض القلم بين يدي. 
كان يكفي أن تومئ بأناملك حتى تصرخ اللغة في خاطري. 
ذهب الليل وأتى النهار وذهب ليل آخر وتلاه نهار آخر.
وأصبحت أقنع نفسي بأن الجائحة اجتاحت عالمي لا شخصيّ، ولم أعد أحصي ولا أعدّ الساعات وما فات ولا ما سيكون، إذ إن صوتاً صمّني منذ قليل.. 
إذا تاه عني بأن المسافة والصمت كما يقتلان فيّ الحياة في جانب آخر، كذلك يحييان في حياة. هل تحسب أن تلك القصيدة الفاتنة التي تمشي في الطرقات لا تعرف أين تاه موطنها؟ 
نعم هزمتني عيناي وهزمني عقلي وهزمتني مشيتي، هزمت عند أول لقاء لصوتين ولخجلين، لقد هزمتني الخاطرة. 
ألم أحذرني من نفسي! ومن بصيرتي! ومن كورونا!
 نعم فعلت واستدركت، ومن دون إدراك وربما عن إدراك بأنه عندما شاح إليّ بصر وطيف وعطر أعرفه، عادت إلى قلمي حاسة الشم.
 فلا تظنّن أنك تسود عليَّ أفضل مني وتغازلني أجمل مني ويذوب كلامك في شفتيَّ؟
من أين أتيت حبيبي إليَّ؟ وسكنتَ الجنّة في صدري وأحببتَ السكّرة من ثغري والغفوةَ رغداً في عينيَّ؟
لا، لا أحد من قبلك علّمني أن أفتح للشعر الأبواب، لا أحد يسري في حبري.. إلّاك وصار كتاباً.
هل أنتَ أتيت حبيبي إليَّ؟ أم أنّي جئت حبيبي إليك؟ وأوان حسبت المسافة والجائحة. قلبي قد خاب وذاب عليك. وكان يكفي أن تبتسم حتى ينهض القلم من صدري.
ألم أحذرني من نفسي! ومن بصيرتي! ومن كورونا!