استقالة الخاطبة!

عبد الله باجبير

مهنة الخاطبة في المجتمعات التي لا تسمح بالاختلاط مهنة محترمة. ولابد أن تكون الخاطبة موضع ثقة العريس وأهله، فهي عينهم على العروس، وعليها أن تقوم بأمانة بوصف العروس وصفًا دقيقًا، وهو وصف لا يكفي بالنظر بل هو وصف ثلاثي وربما رباعي الأبعاد. ولها في هذا طرق متعددة وأساليب لا تلتفت إليها العروس، ولكن فيها فصل الخطاب. فهي أولاً عليها تحسس شعر العروس دون أن تدري. فعندما تحتضنها (حُباً) تتحسس شعرها فتعرف إن كان خشناً أم ناعماً. مصبوغاً أو بلونه الطبيعي. صناعياً أو هو خلقه ربنا؟!

وهي تجلس بجوارها وتميل عليها كل لحظة محيية معجبة، وهي في كل ميلة تتحسس جزءاً من جسمها، فتعرف الطري من الناشف. والسمين من الهزيل. وهي تتحدث إليها عن قرب فتعرفُ رائحة فمها. وتبدي إعجابها بملابس العروس، وتثني على صدر الفستان، وهي في الواقع تتحسس صدر العروس. ثم يأتي امتحان الكلام فتعرف إذا كانت العروس حلوة اللسان.. متربية أم لا.. وتشم رائحة فمها.. وتلاحظ أسنانها، وهكذا تستمر الخاطبة في فحص وتدقيق؛ حتى تستوثق مما ترى وتتحسس، وتناقش، وتلمس ثم تعود إلى العريس ومعها صورة للعروس، وتبدأ في الحديث عما رأته.

وقد أتيح لي منذ سنوات بعيدة أن أستمع إلى إحدى الخاطبات، وكان صديق لي قد أوصاها على عروس، وعدّد المواصفات التي يطلبها فيها، وذات يوم اتصلت بهِ، وقالت إنها عثرت على العروس المناسبة، واستحلفني صديقي أن أحضر معه لمقابلة الخاطبة، ودفعني الفضول إلى حضور الجلسة التاريخية. وسمعتُ من الخاطبة ما يُقالُ ومالا يُقال. فقد وصفت العروس أفضل من شريط الفيديو (ولم يكن الفيديو قد اخترع ولا التليفون الجوال) إلى آخره.

الواضح اليوم هو الاختفاء التدريجي لدور «الخاطبة» التقليدي. أو بالأصح تلاشي أهميتها، بسبب وسائل الاتصال الحديثة، بداية من «الجوال»، وانتهاءً بمواقع التواصل الاجتماعي، والتي لا تعد ولا تحصى، والتي قرّبت البعيد، وأبعدت القريب.

فاليوم يستطيع الشاب مشاهدة العروس، والتحدث معها بوسائل عدة، دون الاعتماد على أوصاف «الخاطبة» للعروس.

لقد اختلفت، أو اختلَّت المقاييس، ولكن هذا هو الصحيح، لكل زمن مقاييسه!! 

 أشياء أخرى:

«الشفقة لا تكلفُ شيئاً، ولا تساوي شيئاً».