الرجل الذي يريد الزواج من ابنتي القاصر!

عبد الله باجبير

يا سيدي..

أترك الشريعة لأهلها.. والفقه لأصحابه.. والقانون للقائمين عليه.. وأتحدث إليك فيما أعرف.. وهو شريعة الإنسانية، وفقه الرحمة وقانون المواءمة.

صديقك الذي أرسلته وسيطًا لخطبة ابنتي «سهام» ورغبتك بالزواج منها، هذا الطلب أدهشني بقدر ما أغضبني.. أو ربما أغضبني أولاً.. المهم.. تقول إنك رأيتها ذاهبة إلى المدرسة وعائدة منها.. أي أنها ما زالت تلميذة.. وأنك أعجبت بشكلها رغم الحجاب وتمنيت أن تتزوج منها.. وكل هذا مشروع وليس لي اعتراض عليه.. لكن أنت تعرف أن الزواج ليس إعجابًا فقط.. لكنّ هناك شروطًا كثيرة وضرورية وحاسمة.. فالزواج يفترض القبول من الجانبين ولا أزيد وأقول الحب، وإن كان الحب يمثل نصف الزواج، والنصف الثاني هو الظروف.. وسأكتفي بالقبول بدلاً من الحب.. فهل قبلت ابنتي القاصر بك؟ هل رأتك؟ وهل تحدثت إليك وتحدثت إليها؟ فكيف -بالله عليك- تتزوج ابنتي من مجهول لمجرد أنه تقدم لها، ولمجرد أنه رآها.. ولمجرد أنه ثري؟ وهل تراني الأب الذي يضع ابنته أمام الأمر الواقع ويقول لها تزوجي هذا فسوف يدفع لك نصف مليون ريال مهرًا؟ ماذا ستفعل ابنتي الرقيقة ذات الخمسة عشر ربيعًا بهذه الفلوس؟ طيب.. ماذا أفعل أنا بها وعندي ما يكفي؟ ليس كثيرًا، لكنه يغنيني عن الناس.

ثم يا سيدي.. ماذا تفهم ابنتي القاصر عن معنى الزوج ومسؤولياته.. مهما كان سن الزوج أو مكانته؟ ثم نأتي إلى الظروف التي هي مهمة لأي أب في معرفة ظروف القادم أو العريس.. لقد فهمت من صديقك أنك تزوجت مرتين من قبل، وطلقت واحدة وبقيت معك الثانية، وأنك أنجبت من الاثنتين البنين والبنات.. وعرفت من الصديق أنك تقترب من الستين، أي أن الفارق بين سنك وسن ابنتي القاصر وعمرها (15 عامًا) هو 45 عامًا بالتمام والكمال.. ألا ترى يا سيدي أنه فارق كبير؟ فارق مزعج؟ فكيف تتقابل أفكار فتاة في مقتبل عمرها بأفكار رجل في أواخر عمره؟ كيف يتم التفاهم.. وهو من أهم شروط الزواج؟ بين القادم والراحل، بين المستقبل والماضي، بين الصحة والمرض؟! ثم إنني أتخيل ابنتي ليلة الزفاف.. كيف تزف الزهرة اليانعة إلى الجذع الجاف؟ ماذا يدور في خاطرها؟ بماذا يخفق قلبها؟ كيف تتصور ماذا يحدث في الليل عندما ستخلو بها؟ إنني أربأ بك أن تخلع ثيابك أمامها وتخلع ثيابها أمامك.. إنها في مثل سن إحدى بناتك.. فهل تتصور ابنتك تخلع ثيابها أمام رجل في عمر أبيها.. ربما جدها؟ ماذا ستفعل معها أو بها؟ ألم يكن يكفيك أنك أجهضت أحلامها؟ فربما كانت تحلم.. ومن حقها أن تحلم بشاب مثلها.. يتطلع إلى المستقبل كما تتطلع.. يبنيان عش الزوجية معًا.. ويحلمان معًا.. ويكبران معًا!!

يا سيدي.. إنك بعد عشرة أعوام ستكون في السبعين، وهي في الخامسة والعشرين، وبعد عشرين عامًا -إذا عشت- ستكون في الثمانين، وستكون هي في الخامسة والثلاثين.. أي فارق.. بل أي مأساة!

وأعود فأقول لك إنه مهما كانت المبررات الشرعية والقانونية، فيجب عليك أن تركن إلى إنسانيتك.. ورحمتك.. فترحم أحلام بنت صغيرة لها أحلامها وتطلعاتها ورغباتها مع من يختاره قلبها، أو على الأقل لمن هو في سنها.

معذرة يا سيدي -آسف- وأنا أناشد كل أب أن يرفض زواج ابنته القاصر من كهل أو عجوز، فالمواءمة الاجتماعية والإنسانية ترفض مثل هذا الزواج.. آسف

يا سيدي.

ملحوظة.. ليست لى ابنة قاصر ولا ثيب ولا عذراء ولا عانس.. لي ولد وحيد يعيش بعيدًا عني.. أما الرسالة فأكتبها كاعتذار من كل الآباء إلى كل العرسان «العواجيز».. وغير «العواجيز» الذين يريدون الزواج من قاصر.. اتركوا الفتاة تنضج وتتعلم وتصل إلى سن الزواج المعقول بين 18 إلى 21 سنة.. أما وهي في سن الثانية عشرة أو الخامسة عشرة، فهذا ليس زواجًا.. إنه حكم بالإعدام!

 

أشياء أخرى:

«لا تفتح الباب لخطيئة بالذات، فقد تدخل خطايا أكبر»