رحيلٌ إلى الأصل

محمد فهد الحارثي

ما فائدة الأماكن إذا فقدت الروح. وما معنى السفر إذا كان رحيلاً منك وإليك؟ كلُّ المساحات التي تأخذني إلى جغرافيا بعيدة هي تقربني إليك. وكل اللحظات التي أسعد بها في سفري هي حنيني إليك. الرحيل لم يكن الحل دائماً، بل ربما كان كاشفاً لحقائق صامتة ومشاعر مختزنة.
كل المحطات التي مشيت إليها، كانت فراغاتٍ في جملةٍ طويلةٍ، عنوانها أنت. كل المدن التي سافرت إليها، كانت بقعاً صغيرة في صفحة ذكراك. أقف في مساحة يلتقي فيها الماء مع السماء على مدِّ النظر، وألمحك هناك، وكأنهما يحتضنان ملامحك. أنت والطبيعة تتشابهان، ملامح ساحرة، وعفوية صادقة؛ ولذلك تأسرني الطبيعة؛ لأنك هناك، ومعك أعيش بدايات التشكل وبراءة الأشياء.
أرقبهم، يرحلون من أماكن إلى أخرى، ويركضون بحثاً عن أي شيء، يأخذهم للمساحات البعيدة. يتوهمون انتصارات خاسرة، ويعيشون بطولات خادعة. مخطئون. الفلاشات الخاطفة، سرعان ما ينتهي وهجها. واللحظات المشروطة تفقد قيمتها. مخطئون؛ لأنهم يبدِّلون الصدق بالكذب، والنقاء بالخداع، والحقيقة بالزيف. ما أصعب أن تكتشف أن رحلتك كانت في الاتجاه المعاكس، وأنك هبطت في المطار الخطأ. وأن ما غادرته كان الأصل، وما وصلت إليه كان الخطأ.
لم أحتجْ أبداً أن أؤكد تأكيد المؤكد، فكلُّ يوم أضيفه في رصيد حياتي، يرسخ الحقائق العميقة. وحدك منْ يصنع الفرق. بعضهم يجتهدون من أجل صنع الإبهار، بينما طبيعتك وحدها هي الإبهار.
أعود إليك بعدما منحتني كل المدن صورك. أعود إليك أجمع من كل الأماكن شيئاً ما، كان يُشبهك. كل القصاصات التي جمعتها في محطاتي، كانت حروف اسمك. ما منْ إنسان محظوظ مثلي. حظيت بكل شيء، واختزلت معاني الفرح فيك.
اليوم الثامن:
ما عاد هناك شيءٌ يُثيرني
حينما تمتلك الكلَّ ...
تصبحُ العواصم تفاصيل صغيرة