هذا ما قاله الشعراء بـ"اليوم العالمي للشِعر"

الشاعر الأردني ماهر القيسي
الشاعر الأردني مروان البطوش
اليوم العالمي للشعر
الشاعرة الأردنية لانا المجالي
الشاعرة الأردنية سنابل قنّو
بسمة نسور
ماهر القيسي
للشعر الحبيب الذي يضيئ على أرواحنا
الأديبة الأردنية بسمة نسور
الشاعر السوري هاني نديم
11 صور

بإمكان أي كاتب أو محرر صحفي، أن يكتب مادة عن "اليوم العالمي للشِعر"، مادة تكون محكمة السبك، بصياغة صحفية محترفة، تبدأ بالعبارة التقليدية "يحتفل العالم باليوم العالمي بالشعر". يتحدث قليلاً عن تاريخ هذه المناسبة، وأن الإحتفال فيها بدأ منذ العام "كذا". ثم يضع بعض القطع الشعرية لعدد من الشعراء ذائعي الصيت، قبل أن يختتم مادته ويرسلها للنشر... ولكن أين الشِــعــر في كل ذلك..؟.

الشعراء، لا يرون ما نراه نحن، هم يرون أشكالاً وموسيقى وصوراً وألواناً وسماءً وأرضاً وشمساً وصباحات وعصافير دوريّ مختلفة تماماً عمّا يراه الشخص العادي. هم صيادو الروح في عتمة الأشياء، القادرون على إخراج المعنى الحقيقي مما لا معنى له. هم جوعنا للحبّ الذي يعبر أي شارع عام في مُدن الضجر، نحو جزيرة في نهايات الخيال، لولا نصوصهم لما رأيناها. هم الخيط الرفيع بين الفلاسفة والحكماء والعشّاق.



الشعراء، هم الغرباء الذين يألفهم الجميع، فهم الخارجون من كل مكان، من البحر والصحراء والقرى والشمس والحقول. من الكُتب والأرصفة والمقاهي والمقابر والقصائد والمسرحيات. من أحذية المارة ومعاطف المشردين وصوامع المتعبدين. من الأمثال الشعبية وسرقات النوارس والغابات. من بضاعة الباعة المتجولين من الحدائق العامة، من البواخر والأزقة والدكاكين. يخرجون من كل مكان لكنهم غرباء.. نألف وجوههم ولا نعرفهم، غرباء لكنهم يعيشون في داخلنا طوال الوقت دون علمٍ منا.

صحيح، أن العالم بحتفل بهم منذ الـ 1999 في 21 آذار / مارس من كل عام، لكنهم يحتفلون بنا طوال الوقت، فهم الساكنون في بهجاتنا وأحزاننا. وذلك الضوء الذي يجعلنا نرى جيداً ما لم نتمكن من قوله قبلهم. وفي يومهم أرادت "سيدتي" أن تحتفل بهم.. فوجدتهم يحتفلون معها بالحياة والفرح، ورغم كل شيء، لا يزالون يطلقون الأغاني في كل مكان.

الشعراء حين يحتفلون بالشِعــر..


الشاعر السوري هاني نديم..


الشاعر السوري هاني نديم، قدم دعوة مفتوحة لجميع الشعراء، "أن لا تتوقفوا عن الكتابة"، فقال: "كل ما قيل عن الشِعر وما سوف يُقال من أنه في أزمة ومعاناة، لا يعني الشعر في شيء ولا يلتفت له، سيستمر الشعر بعيدٍ أو دون عيد، وسيظل تاج الكلام مهما جرى وتبدلت أساليب الحياة. وإن سألتني كيف يجب أن نحتفي بالشعر أجيب: بأن لا نتوقف عن كتابته .. بشرط أن لا نكتب شعراً رديئاً".


الأديبة الأردنية بسمة نسور..


أما بسمة نسور، الأديبة الأردنية أولاً، ووزيرة الثقافة السابقة ثانياً، أرادت أن تحتفل بالشعراء على طريقتها، فقالت: "ضمن شروط عيش مجدبة، توارت فيها قِيَم الجمال والمحبة، وتراجعت البشرية خطوات إلى الوراء.. توحشت فيها المفردة واكتنزت بالعدائية، يظلُّ الشعر تعويضاً وملاذاً يحمي الأرواح من عبء كل ذلك القبح.. كل عام والقصيدة على قيد الأمل".


الشاعر الأردني مروان البطوش..


الشاعر الأردني مروان البطوش، لا زال منذ عقود لا يجد تعريفاً للشعر، أو ربما هو غير قادر على إيجاده. فالشِعر .. حبيبنا الشعر، أكبر مما نظن، فيقول البطوش: "كلّ ما في الوجود تقريباً نختلف على تعريف له، أمّا أنْ نختلف على وجود تعريف - أصلاً - لشيء فهذا نادر وآسر. كلّما سألني أحدهم عن تعريف للشّعر حسبتُ سؤاله دعابةً لا أكثر".

وتابع البطوش: "لا أجد له تعريفاً، في الوقت الذي أتمكّن من خلاله تعريف كلّ شيء. ربّما كانت مناسبة اليوم العالمي للشعر - مع اعتراضي على زجّ الشعر في المناسبات، حتى لو كانتْ مناسبات له - ذريعة لي لأتمتم بما يدور في خلدي حول تعريف الشّعر، وحول اللُّبس الذي لا يكاد يفارق لصق هاتين المفردتين "تعريف" و"شعر" على ذات السطر، وأنصح الشعراء الذين يتعرّضون لمثل هذا السؤال بأن يضحكوا في وجه السائل، مردفين: دعابةٌ جيدة، لكنها قديمة!".

 


الشاعرة الأردنية سنابل قنّو..


ربما كان سؤال الشاعرة الأردنية سنابل قنّو، أكثر طمأنينة من سؤال البطوش حول الشعر عموماً. وكان في حديثها له أمنية لا تبحث عن إجابة، بل عن التحقيق. وتقول قنّو: "منذ عامين احتفلت للمرة الأولى بيوم الشعر، كانت بالنسبة لي فرصة لأسأل نفسي عن الشاعرة التي أحاول أن أكونها، وأظن أنني في طريقي إليها بهدوء وسلاسة، أتمنى أن يظلَّ الشعر هاجساً يجعلني أبعثر الحديث في أي جلسة لأقول: هل انتبهتم لهذا المشهد..".


الشاعرة الأردنية لانا المجالي..

 


لانا المجالي، الشاعرة الأردنية التي كتبت كثيراً في وعن الشعر، بدأت حديثها بسؤال ثالث "لماذا الشِّعر الآن؟"، وأجابت المجالي: "لأنَّنا نعيش تحت أنقاض الإنسانيَّة. هُنا؛ في هذه البقعة من العالم، حيث الرُّؤوس البشريَّة معلَّقة فوق البنايات، والهواء مُلَبَّد بدخان المحرِّكات الثَّقيلة ورائحة عُفُونَة تبادلنا الاتِّهامات، والسَّماء مُكتظَّة بأراجيح الأطفال، ونوايانا. لأنّ الحبّ شَحيح والصَّمت ناحِل، وما الفرق بين الشَّعر والحُبّ، كما قال - أنسي الحاج - إلا أنَّ الأوَّل كلام الصَّمت، والثَّاني فعله".

وتابعت المجالي: "لأنّ الشِّعر طريقٌ يجعل العالم يعني شيئاً- أو بتعبير الشَّاعِر الصِّينّي (لوتشي)، نحنُ الشُّعراء نصارعُ اللاوجود لنجبره على أن يمنحَ وجوداً، ونقرع الصَّمتَ لتجيبنا الموسيقى- ومن غيرنا، خارج هذه البقعة من العالم، يرغب باستعادة الوجود، واستجواب المعنى؟. لأنَّ الشِّعر، بحسب أرسطو: (محاكاة للأشياء كما كانت، أو كما ينبغي أن تكون، أو كما اعتقد النَّاس بأنّها كانت كذلك). دون أن أشعر بتأنيب الضمير لحذف عبارة "محاكاة للأشياء كما هي" من التَّعريف أعلاه؛ ليس لأنّ الشِّعر يعيش في قوقعته الخاصّة كما يزعم المنظِّرون، بل لأنَّني أريد لأحلام الشِّعر أن تَطير، متجاوزة سقف هذهِ البقعة من العالم".

 


الشاعر الأردني ماهر القيسي..


ولأن الشعر ليس عابراً في الشاعر، وليس مجرد نصٍّ ولغة، ولأنه بعيد جداً في أرواحنا هذا الجميل. كان ارتباك الشاعر الأردني ماهر القيسي، واضحاً أمامه، فاعترف قائلاً: "يا لارتباكي أمامه. كيف أتحدث عن صديقي في عيده؟ كيف أتحدث عن عدوي في يومه؟ كيف لي أن أتحدث عن الشعر/ عن نفسي!!. كيف لي أن أتحدث عن الطريق المفضية إلى دواخل روحي. وعن اليدّ التي تسحبني من رتابة اليوم، عن المرآة التي تعكس لي اللغة في ملامحي فيظهر وجهي حقيقياً. عن العكاز الذي أتوكأ عليه في تعرج هذا الوجود!.

وتابع القيسي: "منذ البدء كان البكاء، لكنه لم يكن كافياً، فجاء الشعر مع اللغة، وظلّ الأقرب لروح الإنسان وذاته من كل أشكال الأدب الأخرى. إذ اختص الشعر بملامسة الجوّاني فينا. وترجمته لعلاقاتنا مع الكون. أعاننا على الحياة وقدم لنا التصور عنها بأشكال عديدة. فهو التطابق بين المبنى والمعنى، وهو الاختلاف بينهما. هو الأهزوجة والحداء. القصيدة والأغنية. الترنيمة والتراتيل".

ماهر لم يتوقف عن تغنيه، فأضاف: "لقد ظلّ الأنسان خلال ذلك باحثاً عن معناه. فاستلم الشعر عنه هذه المهمة، وعَبر خلال الحدِّ الفاصل بين المحسوس والملموس/ المرئي والمخفي، وواصل مرواحته هنا وهناك مولفاً بينها ومتجاوزاً لأبعادها. راسماً المشاهد بالمعنى والدلالة والصور. استعار الضرواة من البرية، والبَأس من الجبل. الرقة من السهول والوداعة من الحقل. دافع عن الفريسة، ورافق الصياد. ظلل الغابة وشبّ الحريق، عاون الماء على الجريان، وجفف الينبوع".

وختم القيسي حديثه لـ"سيدتي" قائلاً: "هو تَضادَّ واتسق. وافق واختلف. واستمر قلقاً حتى يومنا. محرضاً أرواحنا على الأمل. فسلام أيها الشعر، سلام عليك وأنت تفتح ذراعيك في يومك، تفتح ذراعيك وتومئ برأسك للكل من أجل عناق".

كــلامٌ لا بــدّ مـنـه..
خلال الدورة الثلاثين للـ"يونسكو"، والتي عُقدت في العاصمة الفرنسية باريس في العام 1999، تم إقرار تاريخ 21 آذار / مارس من كل عام، ليكون يوماً عالمياً للشعر. حيث كان الهدف الرئيسي من ذلك دعم التنوع اللغوي من خلال التعبير الشعري، وإتاحة الفرصة للغات المهددة بالإندثار بأن يُستمع لها في مجتمعاتها المحلية. وعلاوة على ذلك، فإن الغرض من هذا اليوم هو دعم الشعر، وتعزيز تدريسه، والعودة إلى التقاليد الشفوية للأمسيات الشعرية، وإحياء الحوار بين الشعر والفنون الأخرى مثل المسرح والرقص والموسيقى والرسم وغيرها، كما أن الهدف كذلك، دعم دور النشر الصغيرة ورسم صورة جذابة للشعر في وسائل الإعلام بحيث لاينظر إلى الشعر بعد ذلك كونه شكلاً قديماً من أشكال الفن.