«المغاربة» الرواية التي أعادت الأدب المغربي إلى الواجهة

«المغاربة» لعبد الكريم جويطي
جويطي يوقّع كتابه خلال معرض الكتاب سابقًا
الروائي المغربي عبد الكريم جويطي
3 صور

أن تكتب عن مدينتك، وتتجذر في المكان الذي أتيت منه، بتفاصيله الصغيرة، وأحيانًا المبتذلة والتافهة؛ بحثًا عن بناء كُليَّة ما، بأدوات تلتقطها من على قارعة الطريق، أو قابعة في عمق الهامش والمنسي، فأنت كما يقول الروائي الفرنسي «فرانسوا مورياك» تبحث عن أنطولوجيا للحياة والحب والموت، عن استشفاء من انجذابات المركز ومرايا الذاكرة، في زمنية تُستلب فيها ذاكرة الأمكنة، وترتحل فيه ذاكرة الأشخاص. تلكم هي قصة الروائي المغربي «عبد الكريم جويطي»، روايته الأخيرة، الصادرة عن منشورات المركز الثقافي العربي سنة 2016، في حوالي 403 صفحات، من الحجم المتوسط، موسومة بعنوان «المغاربة»، صدرت لأول مرة عام 2016، عن المركز الثقافي العربي في الدار البيضاء.

ودخلت في القائمة الطويلة للجائزة العالمية للرواية العربية لعام 2017، وهي النسخة العربية لجائزة «البوكر» العالمية للرواية؛ لتتوج في نهاية الأمر بجائزة المغرب للكتاب دورة 2017. ولعل «المغاربة» هي الرواية التي لاقت استحسانًا جامعًا، وأعادت إلى الأذهان روايات لرواد الأدب المغربي، مثل محمد بنجلون، وخناثة بنونة، وعبد الكريم غلاب، وآخرين.


رواية «المغاربة» فسحة إبداعية عن مدينة بني ملال (جنوب المغرب) ونواحيها، عن تاريخ الهامش، عن حروبها وتوافقاتها، ذهنياتها وعوائدها. رحلة نفسية بتشخيص سوسيولوجي وأنثربولوجي وتاريخي ماتع في دروب ذاكرة مدينة سادرة نحو الضياع، بفعل تمدين مسلح يزحف على المدينة والتاريخ، عن الارتباط العضوي بالأرض والتراب، وقضايا الهمّ المغربي المشترك، عن سهل تادلا، أو «كاليفورنيا المغرب»، تلك التي سبق للأثنولوجي الفرنسي «غوتيه» أن اقترحها كعاصمة لمغرب الحماية؛ من أجل أن ننتصر لأولئك الذين تركوا تادلة الخصبة، من أجل العمل في إليخيدو إسبانيا القاحل.


خلطة روائية تغوص في عمق التراجيديات الإنسانية التي تعتمل داخل البادية والهامش، عبر تداخل أصوات متعددة داخل الفضاء، صوت ذاكرة المدينة، وصوت التاريخ، تجعل مكنون عبد الكريم جويطي الروائي يتوسم بجنس أدبي روائي جديد، مصدره البادية وهامشيتها المبتذلة، بعيدًا عن صخب المركز وجاذبيته؛ أملاً في النفاذ إلى الجوهر الإنساني، وتحطيم أوثان معابد الرواية الكلاسيكية.


يظهر رُهاب الروائي عبد الكريم جويطي بظاهرة العمى والعميان، مفعمًا بالشكوكية والريبة، فجل رواياته تنكتب عن آل العميان، فبطل الرواية أعمى كذلك، ولعله بحث عن ترويض الأشياء التي تمزق الذات، وتغذي عذاباتها، ذلك العمى الذي يجعلنا لا نرى الأشياء التي يجب أن نراها ونتفرس منها، أو العمى الرمزي الذي يقودنا نحو الارتطام بالحائط، من دون أن ندرك ذلك، أو العمى التاريخي الذي يجعلنا لا ندرك كنه التاريخ وبناء الذاكرة، وسؤال الوطنية بالمدلول التاريخي، من أجل تحديد دقيق للضابط الاجتماعي بتعبير «موريس هالفاكس»، فبقدر ما يقوم التاريخ بترتيب للذاكرة وبنائها، وفقًا لتوافقاته الجديدة، بقدر ما يرتب كذلك عملية للنسيان، كما يقول فيلسوف الذاكرة «بول ريكور».


تبرز كرة القدم بقوة داخل الرواية، من خلال الاحتفاء بـ«آلهة الصبا» كما يسميهم عبد الكريم الجويطي، أساطير كرة القدم الملاَّلية، فكرة القدم تغدو منتوجًا أصيلاً يمتح من علاقة الإنسان بالغرائز البدائية، ومفترضاتها الشكية التي تجعلنا نتنازل عن العقل والمنطق في تنبؤ النتيجة.


رواية «المغاربة» غوص دقيق في تفاصيل التاريخ والمجال، في جلد الذات، من دون تساهل، بما هي منطلق لبناء التحرر الوجداني، ونفي الاستلاب، في رسم انعطابات أنطولوجيا الحاضر الكامنة في نفسانية المغاربة.
جدير بالذكر أن عبد الكريم جويطي، الذي يجمع بين ممارسة التأليف والترجمة، صدرت له أعمال روائية، مثل: «ليل الشمس» و«زغاريد الموت» و«كتيبة الخراب»، ونصوص مترجمة من قبيل نص رواية «أميلي نوثوب» و«نظافة القاتل«، كما صدرت له، ضمن أدب الرحلة، كتاب «زهرة الموريلا الصفراء».