من وراء النافذة

مها الأحمد 

ثمَّة صعوبةٌ في عمليةِ الاختيارِ التي نمارسها جميعنا دون توقفٍ، وتزدادُ صعوبةً وحذراً كلَّما تقدَّمنا في العمرِ، أو كلَّما كان الاختيارُ مصيرياً، ويترتَّبُ عليه مستقبلٌ سنعيشه، أو وظيفةٌ سنستقيلُ منها، أو حياةٌ بأكملها ستتغيَّر من بعدِ اختيارٍ واحدٍ!
وإذا حاولنا أن نجدَ شخصاً واحداً على هذه الأرضِ معصوماً من حيرةِ الاختيارِ، فلن نجده مهما كانت حصانتُه ومنصبُه، حتى وإن كان ذا نظرةٍ ثاقبةٍ. إنَّها مثل الأمورِ الغيبيةِ فمَن منَّا يعلمُ ما سيحدثُ غداً؟ ومَن منَّا يملكُ أدلَّةً، أو ثوابتَ تمنحه الاختيارَ واليقين بنتائج هذا الاختيارِ معاً؟!
وحتى إذا كان يملكها، فلن يزيده ذلك إلا حيرةً، وحينما سيمرُّ الوقتُ، سيلحظ أنَّ ما كان يتَّكئ عليه من أدلَّةٍ وبراهين في السابق لم تعد تناسبُ الظروفَ التي يعيشها في زمنه الحالي، أو مع أشخاصٍ آخرين.
لو عبرنا داخل نوافذِ البيوتِ المضيئة، سنجدُ أصحابها يختلفون في وجهاتِ النظر، ولكلٍّ منهم أولويةٌ، يلهث وراءها، وقرارٌ يأخذه بناءً على تلك الأولوية.   
في الأعلى هناك شخصٌ أُرهِقَ، فاختار الرحيلَ، في حين أن النافذةَ المجاورةَ له حينما أُرهِقَ صاحبها، اعتاد على الأمرِ وقرَّر البقاء.
أحدهم قرَّر الصمتَ، في حين أن الآخرَ قرَّر أن يصرخَ مطالباً بحقه.
هناك مَن حاربَ للوصولِ، وهناك مَن تخلَّى، وانسحبَ تحت الظروفِ نفسها.
هناك مَن فضَّل العلم والمنصب على الأسرةِ، فندم متأخراً، أو ندم في الوقتِ المناسب، وآخرُ اختار العكس، ولم يُرحَم من الندمِ أيضاً.  
هناك مَن اختار المادةَ، وفضَّلها على الحبِّ، فلم تُسعِده المادةُ، وهناك مَن اختار الحبَّ، ولم يجده غايته في النهاية.
 هناك مَن اختار الحريةَ، فدفع ثمنها وحدةً، وحينما اختار العكسَ، لم تتناسب معه، وعاد وحيداً.
الخطأ والصوابُ في اختياراتنا نسبيٌّ، ولا مقاييس تحكمُه، أو تحكمُ عليه. أنت مثلاً لستَ على صوابٍ، وغيرك ليس على خطأ، لأنه لم يتبعك في اختياراتك وقراراتك. 
فما يتناسبُ معك في وقتٍ معيَّنٍ، قد لا يُعجبك في وقتٍ آخر، وما يُشبعُ رغباتك أنت، قد لا يُشبعُ رغباتِ غيرك، حتى وإن كنتم تعيشون في المرحلةِ الزمنية نفسها، وجمعتكم ظروفٌ بيئيةٌ واحدة.