اقتصادات جذب الانتباه

أحمد العرفج

تتعدُّدُ أنواعُ الاقتصادِ، وكلَّ يومٍ يخرجُ لنا مفهومٌ جديدٌ من أجل "تسليعِ الإنسانِ"، والتعاملِ معه بوصفه مستهلكاً شرساً، يريدُ إشباعَ رغباته ونزواته!

في كلِّ صباحٍ أستيقظُ وأنا في كاملِ نشاطي وحيويتي، وبعد أن أقرأ أورادي، وأدعيتي أُمسكُ جوالي، وأبدأ التصفُّح فيه، فإذا المواقعُ تتسارعُ علي، كلٌّ منهم يريدُ أن يستدعي انتباهي، ويجذبَ تركيزي.

هذه المعركةُ أواجهها كلَّ صباحٍ، ومع مرورِ الوقتِ، كَبُرَ سؤالٌ في رأسي، يقول: لماذا تتنازعُ عليَّ الناسُ وكأنني راكبٌ، ذهبَ إلى موقفِ الـ "تكسي"، فإذا بأصحابِ سياراتِ الأجرةِ يتنازعون عليه، كلٌّ منهم يريدُ أن يظفرَ بهذا الراكبِ المسكين؟!

حين تتابعت الأسئلةُ، وكبرت في ذهني، ذهبتُ إلى أهلِ العلم، فوجدتُ أنَّ العلماءَ- باركَ الله فيهم - سبقوني إلى تحديدِ هذه الظاهرةِ، وسمُّوها "اقتصادات جذب الانتباه" أو "attention economy"، وهذا المصطلحُ صاغه هيربرت سيمون، عالمُ الاقتصادِ الأمريكي، عام 1973، وهو أحدُ الفروعِ الحديثة لعلمِ الاقتصاد، الذي يتعاملُ مع انتباهِ الفرد على أنه سلعةٌ ثمينةٌ ونادرةٌ، واستثماره فترةً أطول على أنه أحدُ الموارد التي يجب استغلالها والتركيزُ عليها.

مثلاً، إذا كنتَ تشاهدُ في التلفزيون فيلماً وثائقياً، وظهرت لك كلمة "عاجل"، فستصرفُ نظرك إليها مباشرةً، وستهتمُّ بما يردُ بعدها، وهذا جذبٌ واضح للانتباه.

ونرى أن شركاتِ إنتاجِ الإعلانات تتنافس فيما بينها عبر تنويع ابتكاراتها من أجل جذبِ الانتباه، والاستحواذ على المستهلكِ بأي وسيلةٍ كانت، لأنها تؤمنُ بحقيقةٍ راسخةٍ، هي أن جذب انتباه الناسِ مهمٌّ وكبيرٌ، والاستثمارُ فيه يُدرُّ ملايين الريالات.

يبدو أن جذبَ انتباه الآخرين صار شكلاً من أشكالِ العملة، وينفقه الأشخاصُ على مواقعِ التواصل، مثل الوصولِ إلى الهواتفِ الذكية، وهذه المواقعُ بدورها أدَّت إلى التغييرِ بشكلٍ كبيرٍ، فمثلاً الأخبارُ كانت محميةً للقنواتِ التلفزيونية، أما اليوم فقد وجدت طريقها إلى مواقعِ التواصل قبل بثها في التلفزيون، واتَّجه المعلنون بتركيزهم من الكيانِ الإعلامي التقليدي إلى الإنترنت، فعلى سبيل المثال: أثناء استخدامِ يوتيوب يتمُّ تشغيل عديدٍ من الإعلاناتِ للسلع، مثل الملابس، في محاولةٍ لجذب انتباه المستخدم.

في النهاية أقول:

لقد أصبحت المواقعُ تحاصرنا من كلِّ جهةٍ، وجعلت حياتنا جزءاً منها، وسيطرت على اهتماماتنا، وصار انتباه الإنسانِ سلعةً، تتسابقُ كلُّ المواقع على جذبه وشدِّه من رقبته ليشاهدها، وكلَّما استحوذ الموقع على الانتباه أكثر، زادت اقتصاداتُ هذا الموقعِ، ومشاهداته، وتساقطت عليه الإعلاناتُ من كل حدبٍ وصوب!.