المرأة السعودية 

 زهور كرام

السفر في المكان، هو في الجوهر سفرٌ في الإنسان مبدع هذا المكان. غالباً، لا نتذكر المكان إلا باستحضار الإنسان الذي كان في المكان. ربما، لهذا السبب تنسحب أمكنة من ذاكرتنا، وتظل أخرى وشماً راسخاً؛ لأن الإنسان ملأ المكان فكان أثراً خالداً في الذاكرة.
عندما أستحضر المملكة العربية السعودية بأمكنتها التي زرتها في إطار لقاءات علمية وأكاديمية وثقافية أجدني أتذكر تفاصيل الأمكنة التي عبرتها من الرياض إلى جدة، من الباحة إلى الطائف من المدينة المنورة إلى مكة الشريفة. كل مدينة تحضر باسم سيدة سعودية مبدعة أو كاتبة مثقفة أو أكاديمية أو امرأة عادية بصمت الذاكرة.
نحن لا نسافر في المكان إذاً، إنما في الإنسان. يحدث ذلك عندما يكون هذا الإنسان مُلهماً للمكان، ليس من حيث التأثيث، إنما عندما يتحول إلى فكرة تقود المكان نحو الذاكرة.
 قبل أن ألتقي المرأة السعودية في مكانها المحلي، قرأت لها كاتبة ومبدعة وباحثة أكاديمية، وكنتُ كل مرة أكتشفُ صوتاً قوياً وهو يبني العوالم السردية في الرواية والقصة، أو ينظم القصيدة شعراً، كما أني التقيتُ بعض الأكاديميات والمبدعات خارج المكان المحلي، فانبهرتُ بهذا الصوت النسائي السعودي الذي يتقدم بقوة نحو امتلاك سر المعنى المعرفي بإصرار كبير، كنتُ أحتفظُ بإعجابٍ، وأعود أقرأ مرة أخرى لكاتبات سعوديات، فأكتشفُ في سردها خصوصية، لم تكن من نوع الخصوصية التي نُفكر فيها عندما يتعلق الأمر بما يسمى بالأدب النسائي، إنما كان الأمر أبعد من ذلك، لأنه يتعلق بخصوصية المُستقبل وليس الذاكرة فحسب. ربما، لم أفهم الأمر في البداية، فقد ألفنا التفكير في المرأة العربية انطلاقاً من الموروث الذي يتحكم في مسارها، وأحياناً يقف عثرة أمام انطلاق صوتها، فكيف ارتبط المستقبل عندي بخصوصية صوتها.  
فك السفر في المكان شفرة الانطباع، خاصة وأن اللقاء بالمرأة السعودية تم في الفضاء العلمي الأكاديمي، في زيارة علمية إلى جامعة الأميرة نورة بالرياض في إطار شراكة علمية مع كلية الآداب والعلوم الإنسانية، جامعة محمد الخامس بالرباط، لم يكن سفراً قصيراً، إنما امتد إلى شهر، حسبته في البداية أياماً معدودة، فإذا به يتحول إلى زمنٍ للدخول إلى خصوصية المستقبل من مدخل البحث العلمي. 
أول ملاحظة سجلها انتباهي وأنا أعبر فضاء جامعة الأميرة نورة، أن الباحثة السعودية هي سيدة الفضاء، ومدبرته علمياً وتربوياً وأكاديمياً وبيداغوجياً، وهي العقل المُنتصِرُ للمعرفة والبحث العلمي، العاشقة للعلم وبامتياز، والباحثة عن منافذ العلم في سياقات أخرى، أما الطالبات فلهن بصمة في ذاكرتي.  لم تكن عندهن المحاضرة واجباً فحسب، إنما كانت إشراقة تُضيء أفقهن. شيئاً فشيئاً، اكتشفتُ سر الانطباع، عندما وجدت العلم اختياراً، والاختيارُ مشروعاً، والمشروعُ قراراً ذاتياً تُهديه لوطنها ومجتمعها.