كورونا بعين إيجابية 

الدكتورة سوسن كمال 

أطلت جائحة كورونا (كوفيد ـ 19) على العالم فجائياً لتغيّر الكثير من المفاهيم جذرياً، وبطبيعة الحال فإن للجائحة آثارها السلبية التي حاصرت اقتصادات الدول، وفتكت بأرواح قاطنيها، وقيّدت خطوط المواصلات والتنقل، وقلبت المشرق على المغرب، فضلاً عن آثارها الاجتماعية والنفسية التي لا يتسع المقام لذكرها.

إلا أنَّ إطلالة هذه الجائحة لا تخلو من الجوانب الإيجابية لمن يحللون الأمر بواقعية أشمل وحيادية تامة، فقد ألغت الجائحة الكثير من العادات التي كانت تدخل ممارسيها في ضوضاء الترف وصخب المدينة وفوضى المجاملات، وأعادتنا إلى ذواتِنا وقربتنا للطبيعة، ومنحتنا مساحةً للهدوء والتأمل.

نعم، لقد أصبحت الطبيعة أكثر قرباً منا، وأصبحت مشاعرنا مفهومةً لدينا أكثر من ذي قبل، إن العالم الذي نعيشه اليوم بعد مجيء كورونا أكثر سكينة، وإن نفوس البشر به أكثر أصالةً ومعنى، لقد أجبرتنا الجائحة على أن نعمل مراجعة ذاتية لنمط حياتنا، وعمق كياننا، من نحن؟ وما أهدافنا؟ وكيف نفكر؟ وكيف نعيش حياتنا؟ وما مفهومنا للسعادة؟ 

 

إن جائحة كورونا لم تختبر صبرنا وحسب، بل قدّمت كل مواعيدنا للتطور الرقمي من مواعيدها المستقبلية إلى موعد طارئ هو اليوم.. الآن.. ومن دون تأخير، أنجزوا تعليمكم، مجالسكم، ندواتكم، لقاءاتكم، أعمالكم، معاملاتكم، بيعكم وشراءكم عبر شبكة الاتصالات، ولتبقى ذاتكم مصونة من أن تختلط في الضوضاء وزحام الفيزياء.

وفي ظل انتقال حياتِنا لتلك المساحة الافتراضية، فمثلما ستنتقل سلوكياتنا الجميلة وفنوننا وهواياتنا وبديع كلماتنا إلى العالم الرقمي، فلا بد للجانب الآخر منا أن ينتقل، لذا فلننتقل بذواتنا الصافية، ومعادننا الطيبة، ووعينا السديد، ولنصنع علاقاتنا بأشباهنا من الطيبين، ونرفع قيمنا عالياً، حتى لا يتسيّد الحمقى مساحتنا الذاتية، ويشتهر التافهون على وقع تشجيعنا الساذج، فإن لكورونا فوائد جمة.