الكنز الذي لا يعوّض

د. سعاد الشامسي 

حين يسكُن صدى الكلمات في البيت، وتتوقف نبضات المشاعر عَن بث مقومات الحياة، وتنفَك أربِطة الإنسان مع أخيه الإنسان، تذوب كالثلج.. وسط حرارة الدَهر ومشاكِلهِ، حينها فقط، نموتُ قبل أن نموت، ينتهي إدراكَنا بالحياة شعورياً، تتثاقل فوق كاهِلنا هموم الدُنيا وأوجاعِها، فتتسرب مِن مجرى القلوب ماهيتنا، هويتنا، وأسباب وجودِنا على تِلكَ البُقعة من الأرض، في زمانٍ يكاد أن يُصاغ مِنهُ روايات، رُبما بعد مائة عامٍ مِن الآن، ستكون حكايتنا مُثيرة للتعجُب، وللشفقة مما وصلنا إليه، انفرطت عُقَدِ الرحمة في أنفُسنا، وتخلخلت المبادئ السامية التي تربينا عليها، علمونا أطفالاً كيف نـبِر الوالدين، علمونا كيف نَحترِم وجودَهُم ونبقى على اتصال بِهِم أبد الدهر، ولَكِن مَن مِنا قد تعلم الدرس أو أنصت للعِبرة والعِظة، جميعنا مُخطئون، ومِن أعيُننا تتساقط الذنوب والآثام، بحق مَن أعطونا الحق في الحياة، بحق ذوينا في الدُنيا والآخرة، أعمِدة الأُسرة، ومَحل التربية، فماذا قدمت أيدينا لهُم بالمقابل؟، لا شيء.. لا شيء سوى القسوة، ورد الجميل بالنُكران، ها نحنُ قد بلغنا رُشدنا، لنُطيح بِكُل ما فعلوه من فوق أدمِغَتنا الصغيرة، وذهبنا نلهث وراء تفاهاتٍ لا جدوى مِنها، نعم.. فمهما كانت الأسباب لن تُبرر الواقع المُر، ونتيجته عِند ذوي القلوب الرحيمة لا تُطاق، مشهدٍ مِن الصمت والكتِمان، يُخيم على كِبار قد أنهكتَهُم الوِحدة ذُلاً، أجبرتهم على إعلان الضعف والهزيمة أمام عقبات الحياة ومصاعِبها، فما كان الابن مُتفرِغاً لأبيه ولو دقائق، ولا الفتاة مُنذ أن تزوجت قد تذكرت والديها يوماً ، جميعهُم رحلوا مِن هُنا، من دون إذنٍ أو مُبررٍ مقبول، جميعَهُم يلهثون وراء الدُنيا الفانية، تاركين وراءَهُم رِضا الأب والأُم..

يا لهُ مِن واقعٍ لا يرحم، وقطار يمُر كالسحاب فوق كُل ضعيفٍ قليل الحيلة، كم مِن كبار لا يرون أبناءِهِم سوى مراتٍ معدودة كُل عام، الجميع يعمل، الجميع ينسى من أين أتى إلى هذه الحياة، مَن ضحى بأجمل سنواتِ عُمرهِ ليجعلهُ جميلاً، هل أصابنا "الزهايمر" مِن زاوية واحدة ، أم أننا نرى لروابطنا مع الوالدين فترة صلاحية، تنتهي بعدها الصِلة، ونبقى في أشغالنا عابثين، مَن مر مِن هُنا فليقف ويُعيد التفكير مرتين، فلابُد للغيبة أن تنقطع، ولابُد للفَجر مِن شروق، يا مَن نسيت طفولتك ونشأتك صغيراً، فـوالله لنَ يَذكُرك أبناؤك أبداً ما دمت ناكِراً لحقوق أبويك، هكذا تكون العدالة في الدُنيا قبل الآخرة، مَن ظلم يُظلم ولو بعد حين، أما مَن عَدل وأعطى الوالدين حقوقهم،، فلن يرى سوى جناتِ الأرض تحت قدميه، فلينتبه الجميع .. و ليترُك كُل مشغولً ما بيدهِ، فالوالدين نِعمة وكنز لا يُعوض.

إلى كُل مَن يتعلق بالوقت مُبرراً غيابه، فالوقت كالسيف، إن لم تقطعهُ قطعك، وإن قاطعت بهِ والديك.. قتلك !..