رياض مغربي يخلد أمجاد الاندلس

يتميّز المغرب بسياحة أصيلة تتمثّل في استقبال خاصّ في أجواء الحياة التقليدية، من دون إغفال وسائل الراحة العصرية، في دور تقليدية حوّلها مستثمرون مختلفون مغاربة وأجانب إلى دور تضاهي في خدماتها أرقى الفنادق المصنفة. الرياض هي الدار التقليدية (البيت المغربي التراثي )التي تحضن عائلات عريقة في المغرب، وحسب الباحثين يعود أصلها إلى قرون خلت إثر هجرة الموريسكيين إلى المغرب، فراراً من حملات الاضطهاد والتقتيل الذي طالهم خلال القرن 15 في الأندلس بعد سقوط غرناطة، حيث استقبل المغرب وفوداً كثيرة بحكم قربه من الأندلس، فاستقروا في مدن وقرى مغربية، ونقلوا فنّ العيش الموريسكي إليها. تنتشر هذه الرياضات في أغلب المدن العريقة مثل: فاس ومكناس ومراكش وتطوان وغيرها، وتتميز مراكش بها أكثر لأن حتى الأجانب استثمروا في هذه الدور التي حولوها لدور لاستقبال السائحين في أجواء التراث المغربي، لنواحي الحدائق الغناء والمعمار التقليدي والزخرفة الإسلامية البديعة التي تعطي الفضاء سحراً، مع إضافة كل وسائل الراحة والاستجمام، بما فيها الحمام البلدي والمسبح المفتوح على السماء وأجواء الحياة الشعبية في قلب المدن العتيقة.


حميمية التراث والتاريخ

في دواخل رياض "أرابيسك" بمدينة "فاس" القديمة


يقول خالد بنعمور صاحب "رياض أرابيسك" بالمدينة القديمة بفاس لـ"سيدتي. نت" إن "الاستثمار في إعادة تأهيل دار تقليدية آيلة للسقوط ومهترئة كان بالنسبة لكثيرين مغامرة كبرى". كان بنعمور اشترى الرياض في تسعينيات القرن الماضي، وأعاد تأهيله من جديد في إخلاص تامّ للبناء التقليدي العريق. يعود الرياض إلى القرن الماضي، وعمره حوالي 120 سنة، وكان يملكه تجار مسلمون من شرفاء صقلية. يقول بنعمور لـ" سيدتي. نت": "تمتاز الرياضات عموماً بلمسة التراث والأصالة؛ أنا بدوري سائح وعندما أجول في العالم أرى أن الفنادق الفخمة ودور الاستقبال، على الرغم من رقيّها، تفتقد تلك الحميمية الخاصة بالتراث والانتماء". ويضيف: "الرياض يتميّز بهندسة إسلاميّة فريدة نقلها الأندلسيون المورسكيون بأقواسها وجدرانها المنقوشة، وكذا أسوارها وحديقتها في فناء البيت، وقد أدخلنا على هذه الدار التي اخترت لها اسم "أرابيسك" روح العصر، مع الإبقاء على هوية فاس العريقة في الزخرفة والنقش مثل: زليج فاس الذي يتميز بزرقته الخاصة".

تابعوا المزيد: أفضل الفنادق في انترلاكن


في عمق التاريخ


من العوامل التي تجعل الرياض جذّاباً لسائحي العالم، هو تغلغله في عمق التاريخ، والتصاقه بفضائه الخاص بالمدن القديمة، وقد يعود الى مئات السنين ويمنح السائح عبق المكان. وفي هذا الإطار، يقول بنعمور: "استقبلنا نجوم العالم، مثل: براد بيت وكلوديا كاردينال وغيرهما، والكل شعر بالراحة في نمط الاستقبال وفن العيش"، لافتاً إلى أن "الرياض يوفّر نكهة حياة خاصة تعود إلى آلاف السنين عن طريق الاحتضان في دار تقليدية لها طابع هوية وانتماء، مع توفير خدمات عصرية أيضاً من تكييف ومسابح، من دون الإغفال عن فنّ الطبخ المغربي الذي تتميز به المدينة التي يعود تاريخها لاكثر من 1200 سنة". إلى ذلك، يوفر الرياض فرصة تعلم الطبخ المغربي الأصيل في جوّ عائلي، وتجريب نكهات خاصة ينفرد بها أهل فاس.


لمسة التراث

الرياض هي الدار التقليدية التي تحضن عائلات عريقة في المغرب



تعلّق مهندسة الديكور سلمى بنسعيد عن هذا النوع من الدور، قائلة: "ثمة روح خاصّة في فضاء الرياض المغربي الأصيل، والذي يجمع بين البناء والهندسة المعمارية الأندلسيّة العريقة والفنون المتعدّدة، من فنّ الطبخ والديكورات والإكسسوارات المغربيّة"، مضيفة أن "الرياض المغربي هو عالم من الفنون التقليديّة التي تبدعها أنامل النساء والرجال، كصينية الشاي المغربي التي يلتئم حولها أهل الدار أو أطباق الأكل اللذيذة التي تحتفي بكل منتوجات المواسم الفلاحية، على الرغم من بساطتها". الإقامة في رياض حسب المهندسة سلمى، يمنح نكهة خاصة؛ فقد ألهم الرياض دوراً في الخليج وأوروبا وأمريكا، باعتماده في ديكور منازل كثيرة... إنّه فنّ العيش المغربي الذي تربينا عليه، والذي يجمع المنفعة بمتعة العيش والاستمتاع بالحياة، وضمان سريان طاقة إيجابيّة بفضل تبني منظومة سكن شاملة تخلص للشكل والمضمون معاً أي بإعلان التآزر العائلي ولمة الناس وتبادل الخبرات وتداولها وانتقالها عبر الأجيال. وتتحدث سلمى على طريقة تزيين وتأثيث هذه الدور التي تستعمل الطراز التقليدي العريق والألوان الزاهية، وطريقة الجلسة المغربية من خلال الصالون المغربي الذي يحتفي بالنقش على الخشب والأقمشة الزاهية القديمة التي تعود لمئات السنين، مع استعمال الخياطة التقليدية المعروفة التي تستعمل في حياكة المخدات وتزيينها والشراشف والستائر.
وتختم سلمى، قائلة: "الرياض جولة في الماضي بروح الحاضر، يلهم الراحة والأمان، ويمنحنا كمسلمين الفخر والاعتزاز بثقافتنا العريقة التي احتفت دوماً بالجمال والرقي".
يتفاءل خالد بنعمور، بدوره، بمستقبل هذه السياحة التي على الرغم من تضررها جرّاء أزمة جائحة "الكورونا"، فإنها ستعزز مكانتها أكثر لأن من حسنات الجائحة أنها جعلتنا نكون حقيقيين أكثر، ونعود إلى مساءلة هويتنا وأصالتنا وقيم العائلة واللمة التي توفرها تفاصيل البيت الإسلامي العريق".

تابعوا المزيد: فنادق فخمة في القاهرة لتجربة لا تقاوم