نجود العتيبي: رؤية 2030 تشكل تحديّاً لنا لنكون مبدعين

نجود العتيبي فنّانة تشكيليّة سعوديّة شابّة من مواليد 1988 لا تكفّ عن التجريب في الأساليب الفنيّة، وعن بثّ الرسائل المباشرة وغير المباشرة عبر أعمالها، التي تضع المتلقي مقابلها في حالة من التحدّي لمحاولة تفكيكها، والكشف عن غموضها.
كان أثّر في شخصيّة العتيبي الفنّية كلّ من ضعف السمع، الحالة التي أصيبت بها طفلة، ومن آثار عدم الاندماج، وغذّاها تشجيع والديها لها، ودروسها الجامعيّة. هي راهناً في إقامة فنّية في الرياض، مع "معهد مسك للفنون"، تبحر في عمل يرفع الوعي بضعف السمع، ويحاول تمرير رسالة مفادها بأنّه من الضروري احتضان وتقبل جمال كل إنسان.
نصّ حوار "سيدتي" مع نجود العتيبي، في الآتي.

تصوير: مشعل القدير



كيف أثّر كلّ من ضعف السمع الذي تشكين منه منذ سنوات الطفولة، والبيت الفنّي، والتخصّص الجامعي في مجال الفنون، في رحلتك في مضمار الفنّ التشكيلي؟
نشأت في منزل يملؤه الحب والموهبة؛ والدي رسّام ووالدتي مبدعة، وهما شجعاني على إدراك قدراتي، وعلى رؤيتي لذاتي حتّى أكون أكثر من مجرّد فنّانة. ومن المفارقات في مسيرتي أنّه في سنة 2007، لم يحالفني الحظّ للانتساب إلى كلّية الفنون بسبب معدل تراكمي بلغ 89.5 في المدرسة الثانويّة. لذا، كانت كليّة الكيمياء وجهتي غير المرغوبة، حيث أمضيت سنتين أرسب في المواد... سنتذاك، قرر والداي الانتقال إلى الولايات المتحدة، وهناك تسجلت في كلّية للفنون والتصميم، حيث قابلت بين الأساتذة، أستاذين عظيمين؛ أحدهما ركز على قوّتي، والآخر على ضعفي. ولا تزال كلمات الأخير تتردّد في أذنيّ: "أنتِ، لا تأخذين الحياة على محمل الجد"! صحيح أني غضبت منه في ذلك الوقت، ولكني أشكره اليوم لأنه فتح عينيّ على مواجهة الواقع بنفسي.


كيف تتابعت المسيرة بعد التخرّج؟
في سنة 2018، وفي إثر سنوات قليلة لاحقة للتخرج من الكلّية، والعودة من الولايات المتحدة إلى السعودية، كنت أعاني للاندماج في بيئة مختلفة تماماً وأبحث عمّن يمكنه احتضان قدراتي الفنّية، فمن الصعب للغاية أن يكون المرء فنّاناً مستقلاً. ولحسن الحظّ، التقيت صديقتين رائعتين كانتا دائمتي التشجيع لي حتّى أجرب ما أهاب منه، وهما ساعدتاني في تحقيق حلمي الفنّي، وقد تحولتا إلى شريكتيّ؛ فالمبدعة فاطمة خالد مديرة أعمالي راهناً، وزينة النوري واسعة المعرفة في علم النفس البشري تحتضن قدراتي وتحفّزني على الوصول إلى الأقصى، حسب إمكاناتي ومهاراتي.

تابعوا المزيد: اليوم العالمي للكتب وحقوق المؤلف


هويّة غامضة

Mundane (دنيوي) 2019/ لوحة زيتية


على الرغم من الاختلاف في الأسلوب الفنّي، تدفع بعض لوحاتك إلى استرجاع لوحات البلجيكي رينيه ماغريت. هل أنت مهتمّة بطابع لوحاته السريالي والغامض؟ 
في كلّ مرة أرسم فيها لوحة، أميل إلى الاستلهام من فنّانين عديدين. مثلاً: في العمل الفنّي بعنوان Mundane (دنيوي)، أتحدّث إلى الجمهور، مستحضرة هويّتي كشخص غامض بغية تحدي التوقع والافتراض. وفي اللوحة المذكورة، خيار لوسائط مختلطة بغية جعل المشهد السريالي بارزاً.

Young & Beautiful (صبا وجمال) 2013/ فحم



أسلوب الواقعية المفرطة في بعض أعمالك يرسم كل ما تراه عيناك، من دون تصفية. هل هي طريقتك في القول إن لا وجود لأي اختلافات بين الرسم والتصوير والوسائط الأخرى؟
استخدام الألوان، مع العديد من الوسائط، أمر ممتع؛ أحبّ التلاعب في الألوان الزيتية والفحم منذ وقت طويل للغاية، ولما أزل أحب تقديم وسائط أخرى في أعمالي لإبراز تقدّمي في المجال الفنّي. الرسم بالفحم في بداية مسيرتي كان يجسّد رؤيتي، والساعات التي أمضيها في إتقان العمل، حيث أقضي أياماً في بناء العمل الفني في رأسي، ثمّ أرسمه رقمياً، قبل أن أطبقه وفقاً لمرجعي الرقمي.

The Life inside The Veil (الحياة داخل الغطاء) 2014/ وسائط مختلفة



للثقافة والفنون حصّة في رؤية المملكة العربية السعودية 2030؛ هل تعتقدين أن هذه الفترة ذهبيّة للفنانين السعوديين؟
بالتأكيد؛ التجربة نافعة للجميع، سواء في السعودية أو خارجها، إذ تمثل رؤية المملكة العربية السعودية 2030 تحدّياً لنا جميعاً لنكون مبدعين ونفكر خارج النطاق المعتاد، فهذا هو الوقت المناسب الذي يتيح لنا إخبار العالم عن هويتنا، من خلال وسائل مختلفة. وفي هذا الإطار، يمكن القول إن الفنّانين السعوديين حصلوا أخيراً على منصّة تسمح لهم بالتعبير عن أنفسهم وعن إبداعهم. هذه مجرد بداية لأشياء أكثر أهمّية وأكثر إبداعيّةً.

Elsewrere (في مكان آخر) 2019/ لوحة زيتية


إقامة فنّية في الرياض


هلا أخبرتنا المزيد عن الإقامة الفنية التي تشاركين فيها راهناً في الرياض.
حالياً، أنا في إقامة فنّية، في إطار "إقامة مساحة" مع "معهد مسك للفنون" في الرياض. عنوان الإقامة هو "تلاشي الحدود" Blurred lines. وفي هذا السياق أعمل على تطوير مفهوم يتمحور حول تسبب ضعف السمع بإعاقة التواصل لمعظم الناس، وذلك بهدف رفع الوعي من خلال أعمالي الفنية الإبداعية والدعوة إلى احتضان وتقبل جمال كل إنسان، مهما كانت حالته.

كيف يؤثر فيروس "كورونا" على المشهد الفنّي أخيراً؟ وماذا عن سوق الفن حيث يعقد معظم العمليات الفنية على الإنترنت؛ كيف ترين ذلك؟
قدّم الوباء مساعدة كبيرة لكل فنان ذي مهارات واتصال وحتى خبرة محدودة. من ناحيتي، وبعد أن كنت أعمل مع مدرسة أميركيّة بجدة لدعم الأطفال الذين يعانون من الصعوبات التعليميّة والضعف في مهارات الاتصال، جاء الإغلاق الشامل ليبيّن لي إمكاناتي الحقيقيّة في عالم التشكيل. أمّا في شأن انتقال الفن إلى المنصّات عبر الإنترنت، أرى أن ذلك يسمح لي بمشاركة فني ورسالتي مع عدد أكبر من الجمهور على مستوى العالم، فقد ساعدت التقنيات الرقمية في تجاوز الحدود الجغرافية، والوصول إلى جمهور على نطاق أوسع.

تابعوا المزيد: اليوم العالمي للغة الإسبانية