محمد بريص يلملم جراح بيروت على كرسيه المتحرّك

8 صور

على كرسيه المتحرّك وبكل شجاعة وقوة، شارك اللبناني محمد بريص (44 عاماً) في تنظيف شوارع وطرقات بيروت من الركام والدمار جرّاء الانفجار الذي حلّ في مرفئها منذ أيام؛ لأنه لم يتمكّن من البقاء في المنزل لمتابعة التلفاز ومشاهدة الجثث المنتشرة على الأرض والدمار الحاصل في عدد كبير من مناطق العاصمة.
«كنت في البيت لحظة وقوع الانفجار وبدأت أصرخ أنا وزوجتي عندما سمعنا الصوت الهائل، وشاهدنا الحريق المروع خاصة وأن ولدي كانا خارج المنزل، وأذكر أننا انتقلنا ونحن جالسان من الكنبايات إلى مكان آخر، ولحسن الحظ كانت جميع نوافذ المنزل مفتوحة، ولكن خوفي على ولديّ كان كبيراً جداً، وخرجت دون وعي من البيت حتى أبحث عن ولديّ. كانت لحظات سيئة إلى درجة كبيرة وأصبحت أنا وزوجتي خلال ثوانٍ في عالم آخر».
ويضيف محمد قائلاً: «كنت أعمل في كاراج للسيارات، وقد تعرّضت لحادث أدى إلى بتر قدمي قبل أعوام ولا أعتقد أن الإعاقة الجسدية تقف عائقاً أمام المطالب الوطنية التي من الواجب أن يقدّمها كل مواطن خلال هذه الظروف الصعبة والقاسية التي نمرّ بها جميعاً.
نزلت على كرسيّ المتحرّك إلى بيروت حاملاً وجعي الجسدي، مع العلم أن وجع القلب كان أكبر بكثير وأقوى بأضعاف، رغم مشاكلي الجسدية الكثيرة أصررت على قصد المناطق المتضرّرة لتنظيف شوارعها وطرقاتها من الردم والركام، فنزلت لأنني لم أستطع البقاء في المنزل، وعندما وصلت إلى مكان الانفجار أصبت بالذهول من هول المشاهد ومنظر الأموات تحت الردم، كنت أنا وابناي ننظّف؛ لأن بيروت تستأهل التضحية من أجلها، فوجعها أكبر من وجعي.
نزلت على الكرسي المتحرّك حتى أثبت للجميع أننا شعب لا يموت، ولبنان لن يموت وبيروت لن تموت، المهم أن يبقى لبنان بلداً يجمع أبناءه كافة من جميع المناطق بعد ما وصلنا إلى مرحلة اليأس والإحباط، ولكننا نملك العزيمة والإرادة للمحافظة على كرامتنا مهما صار».


رفع المكنسة للتنظيف

6962506-110831833.jpg


حول المصاعب التي واجهته عندما نزل إلى الشارع، يشير محمد إلى أن «الصعوبات كانت تنظيف بعض الأماكن المرتفعة، وكنت ألجأ إلى رفع مكنستي حتى أصل إلى مستوى الركام والردم، وكان بعض الشبان والشابات يساعدونني، وكانوا يرفضون أن أساعدهم نظراً لوضعي.
كنت أنظّف الأرصفة التي أصل إلى مستواها وأنا على الكرسي المتحرّك، ضحيت لأن بيروت ضحت بالكثير من أجلنا واليوم حان دورنا لردّ الجميل، ولا أخفي سراً إذا قلت إن الشبان والشابات كانوا يعتبرونني فخراً وقدوة لهم، وكانوا يأخذون القوة مني وأنا جالس على الكرسي.
يجب أن أشدّد وأقول إن الكل يجب أن يتضامن مع المتضرّرين ويساندونهم، ويقدمون لهم يدّ العون ولا يتخلون عنهم أبداً وهذا ما يحصل فعلياً اليوم، وأنا أهنئ كل شخص يقصد المناطق المتضرّرة يومياً لتنظيفها مع العلم أنني لم أنزل منذ يومين؛ لأن وضعي الصحي ليس على ما يرام ولست بخير بسبب الآلام والأوجاع التي أصبت بها، وأحسد كل شخص يقصد الشوارع يومياً.

6962511-308932249.jpg


أعتبر لبنان كله لي ولا أميّز بين منطقة وأخرى ومواطن وآخر، وأنا لم أقصّر يوماً في الوقوف إلى جانب وطني خلال مختلف الحروب التي عاشها، ولم أتوانَ ولا لحظة عن تقديم المساعدة لمن يحتاجها، نزلت إلى الشوارع من كل قلبي واستنتجت عبرة التحلّي بقوة الإرادة، عدم الاستسلام والتراجع، ولا أخفي سراً إذا قلت إن هناك عدداً كبيراً من الأشخاص ينتظرونني؛ حتى أنزل للتنظيف وينزلوا معي».
وعن سبب انتشار صورته بسرعة البرق على مواقع التواصل الاجتماعي، «يؤكد محمد أنه لا يبغي الشهرة وهو يتلقى يومياً اتصالات هاتفية من جميع أنحاء العالم، وكل هذا لا يعنيه بل ما يهتم به هو وقوفه إلى جانب وطنه في محنته وكيفية تخطّيها».
ويضيف:
«أكثر أمر تأثرت به هو مشهد الدمار الجماعي، وكأن الهدف منه إبادة بيروت بشكل تام، وقد عادت بي الذاكرة إلى أيام الحرب الأهلية الصعبة والقاسية.
بيروت اليوم تتألّم، وذوو الشهداء يتألمون، أما أنا فنسيت مشاكلي الخاصة كلها ونزلت إلى الشارع لتقديم ما أستطيع فعله، وهذا ما كنت أسعى إلى التركيز عليه من أجل لبنان فقط لا غير».