ضجّة حول 114 قطعة تاريخيّة تونسية في مزاد علني بفرنسا....ما القصّة؟

أحد المخطوطات التاريخية المعروضة في المزاد العلني
صورة لاحدى القطع المعروضة على موقع الصالون الفرنسي
صورة من الاعلان الذي نشره الصالون الفرنسي
بعض القطع التاريخية المعروضة التي كانت معروضة للبيع بالمزاد العلني
نيشان عهد الامان يعود لسنة 1860 عرض للبيع بالمزاد العلني بسعر 3 الاف اورو
أفيش الاعلان عن المزاد العلني للقطع التاريخية الذي نشره الصالون الفرنسي قبل ان يتم الغاؤه في مرحلة موالية
فوزري محفوظ مدير معهد التراث بتونس
رجاء بن سلامة مديرة المكتبة الوطنية التونسية
9 صور

أثارالاعلان عن مزاد علني في فرنسا جدلاً كبيراً في تونس و فرنسا بعد أن تبيّن أنّ 114 قطعة لها قيمة تاريخيّة و تمّ تهريبها من تونس بطريقة غير قانونيّة ستعرض للبيع .

"سيّدتي" أجرت هذا التحقيق الثقافي للكشف عن خلفيات وملابسات هذه القضيّة.

 

السلطات التونسيّة تتحرك لوقف المزاد العلني

 

نشرموقع فرنسي صوراً لمخطوطات تاريخيّة ومصاحف قديمة ونياشين تعود ملكيتها للمنصف باي (حكم تونس بين سنتي 1942 و 1943) من بينها نيشان" عهد الأمان "يعود لعام 1860 ونيشان افتخار يعود للفترة مابين 1922 و1929 ومصحف قدّرت قيمته بحوالي 3000  أورو إضافة إلى مجموعة من ملابس الباي التونسي. هذه الصور هي التي كانت منطلق الضجّة التي حدثت في تونس و فرنسا مؤخّرا.

والقطع المصورة معروضة للبيع بالمزاد العلني بصالون"  دروو "الفرنسي الذي حدد تاريخ بيعها بالمزاد العلني  يوم 11 يونيو/حزيران2020.

وإثر هذا الاعلان تحرّكت السلطات التونسيّة لوقف المزاد بعد أن تبيّن أن المجموعة المعروضة للبيع والمتكوّنة من 114 قطعة لها قيمة تاريخيّة ورغم أنّ ملكيّتها تعود لإحدى العائلات سليلة البايات (البايات أمراء حكموا تونس منذ سنة 1705 واستمرّ حكمهم للبلاد طيلة 252 سنة وانتهى سنة 1957 بتأسيس الحكم الجمهوري) إلا أنّه يحجّر بيعها لأنّها أخرجت دون إذن رسميّ من السلطات المختّصة.

وينظّم الصالون الفرنسي الشهير منذ 20 سنة مزادات لعرض منقولات وأشياء قيّمة للبيع، وقد أثار إعلان الصالون الفرنسي ضجّة كبيرة في تونس على مواقع التواصل الاجتماعي وهو ما سلّط ضغطاً على السلطات التي تحرّكت لايقاف المزاد.

و عبّر الكثير من التونسيين على وسائل التواصل الاجتماعي عن غضبهم لما حدث، مؤكّدين أنّ ذلك جريمة في حقّ البلاد وتاريخها و ذاكرتها، وطالب المحتجّون من السلطات التدخّل  بشكل عاجل لاسترجاع المجموعة المعروضة للبيع في المزاد الفرنسي.

 وأصدرت أكثر من جهة رسميّة وغير رسميّة  بيانات تؤكّد فيها أنّ المجموعة المعروضة للبيع ذات قيمة تاريخيّة ولا يمكن التفويت فيها حتّى وإن كانت على ملك أشخاص.

ونشر منتدى تاريخ تونس (جمعيّة غير حكوميّة) توضيحاً مطوّلاً حول الموضوع أكّد فيه "أنّ غالبيّة القطع المعروضة للبيع هي على ملك عائلة أحد كبار الموظّفين التونسيين الذين تدرّجوا في سلم الوظيفة حتّى أعلى الرتب الوزاريّة في حكومات البايات قبيل إعلان الجمهوريّة". 

 

القطع التاريخيّة المعروضة للبيع في باريس هي مُلك لعائلة سليلة التونسية

 

لا تعود ملكيّة المجموعة المعروضة في باريس للبيع لأيّ جهة رسميّة في تونس، وذلك حسب ما أكّده السيد فوزي محفوظ مدير المعهد الوطني للتراث في تصريح خاص بـ"سيدتي" مؤكداً أنها على ملك عائلة "سليلة البايات".

وتتكوّن المجموعة المعروضة للبيع في المزاد العلني من مخطوطات ذات القيمة التاريخيّة والملابس والأوسمة التي تعود للفترة الحسينيّة (حكم البايات) وكانت على ملك الحبيب الجلولي  (1957-1879) وزير العدل السابق لباي تونس.

وحسب تصريح السيّدة رجاء بن سلامة مديرة المكتبة الوطنية لـ"سيدتي" فانّ المجموعة التي تمّ عرضها للبيع بالصالون الفرنسي تتضمّن 25 مخطوطاً مكتملاً أو مجزوءاً منها مجموعة من المصاحف وأجزاء مصاحف ومنها مصحف منصف باي (أحد آخر البايات الحسينيين وحكم تونس في الفترة ما بين 1942 و 1943) إضافة إلى عدد من الكتب الأخرى.

وبعد وفاة الحبيب الجلولي انتقلت ملكيّة المجموعة  إلى ابنه أحمد الجلولي الذي توفيّ سنة 2011 لتنتقل الملكيّة بعد ذلك إلى مجموعة من الورثة الذين  قرّروا التفويت فيها بالبيع.

وتمّ في مرحلة أولى الاتّصال بالمكتبة الوطنية التونسية (أكبر مكتبة بتونس) للتفاوض من أجل التفويت لها في مجموعة الكتب والمخطوطات التي كانت حينها موجودة ببيت العائلة القديم ذي القيمة التراثية الكبيرة ويقع بالمدينة العتيقة لتونس العاصمة وذلك حسب ما أكّدته مديرة المكتبة الوطنيّة رجاء بن سلامة لـ"سيدتي".

مضيفة أنّها تحوّلت إلى منزل عائلة وزير البايات خلال شهر فبراير/شباط 2019 بناء على طلب ورثته أين تمّ عرض المخطوطات والكتب عليها، وبعد إتمام عمليّة الجرد لم تنته المفاوضات إلى اتفاق مع الورثة الذين رفضوا السعر الذي عرضته الجهة الرسميّة أي المكتبة الوطنيّة عليهم، ولم تفصح بن سلامة في تصريحها لـ"سيدتي "عن قيمة المبلغ الذي تمّ عرضه على الورثة  لكنّها تؤكّد أنّ المخطوطات ورغم أنّها ليست فريدة من نوعها إلا أنّها أصليّة وذات قيمة تاريخيّة كبيرة وقد تمّ توثيق جردها بشكل رسمي.

و كتبت جريدة "لومند" الفرنسية الشهيرة مقالاً عن المسالة مؤكّدة أنّ المكتبة الوطنيّة التونسيّة عرضت شراء المخطوطات بمبلغ قيمته 1500 دينار تونسير(حوالي 500 أورو) بينما قدّرت الصحيفة ـ بناء على شهادة  خبير في المجال استجوبته ــ قيمتها بحوالي 30 ألف أورو، وأكدّ خبير الصحيفة الفرنسيّة  أنّ" المعروضات ليست فريدة من نوعها و يوجد لها مثيل في كثير من المكتبات الشرقيّة".

 

القانون التونسي يجرّم نقل آثار أو أشياء ذات قيمة تاريخيّة إلى الخارج

لماذا كلّ هذا الجدل حول هذا المزاد؟ ولماذا ليس من حقّ البائعين التفويت في ماهو على ملكهم ؟

 الاجابة عن هذين السؤالين يقدّمها مدير معهد التراث التونسي فوزي محفوظ لـ"سيدتي "و الذي أكّد أنّ نقل آثار أو أشياء ذات قيمة تاريخيّة إلى خارج تونس حتّى وإن كانت على ملك أفراد مجرّم حسب قانون حماية التراث.

ولا يمنع القانون التونسي امتلاك الأفراد لأشياء ذات قيمة تراثيّة أو تاريخية سواء بالشراء أو الوراثة على أنّه يقنّن عمليّة التصرّف فيها.

 ويوضّح المتحدّث أنّه لا يمكن بأيّ وجه من الوجوه عرض المخطوطات والآثار للبيع خارج التراب التونسي على أنّه يمكن لأصحابها أن ينقلوها فقط للعرض شرط الحصول على ترخيص في الغرض من وزارة الثقافة ويمكن لهم كذلك أن يفوّتوا فيها بالبيع داخل التراب التونسي على أن يتمّ اعلام السلطات بذلك ويجب على المالك الجديد حينها أن يقوم بدوره بالاعلام عن تحوّزه لها.

 

إيقاف المزاد بالتنسيق مع "اليونسكو"

الجدل حول المعروضات التاريخيّة في تونس انتقل إلى خارج حدود البلاد و انتهى بسحب الصالون الفرنسي لها من المزاد حسب ما أكّدته وزارة الثقافة التونسيّة في بلاغ لها أوضحت فيه أنّه تمّ و بالتنسيق مع منظّمة "اليونسكو "عبر ممثّل تونس بها التدخّل لدى الصالون الفرنسي لايقاف بيع القطع الأثريّة.

وحسب مدير معهد التراث فانّ اتفاقيّة اليونسكو لسنة  1970 والتي أمضت عليها تونس تنصّ على  أنّه لا يمكن لأيّ بلد استعادة آثار أو أشياء ذات قيمة تاريخيّة  الا اذا ثبت أنّ عمليّة  تهريبها  تمّت بعد سنة 1970، كما قال أنّه تمّ تقديم شكاية للقضاء لتتبّع المتورّطين في هذه الحادثة لمعرفة الطريقة التي تمّ بها إخراج هذه القطع خاصّة وأنّ هناك وثائق تؤكّد أنّها كانت داخل تونس خلال سنة 2019.

 

تراث و تاريخ مهدّدان

و أعادت حادثة صالون" دروو"الفرنسي إلى السطح  الجدل حول موضوع تهريب الآثار والأشياء ذات القيمة التاريخيّة وكيفيّة المحافظة على التراث بشقيّه المادّي واللامادي.

 ويؤكّد السيد فوزي محفوظ لـ"سيّدتي" أنّ القانون التونسي يجرّم تهريب الآثار لكن هناك شبكات مختصّة تنشط في هذا المجال رغم تشديد الرقابة ويكمن الإشكال خاصّة بالنسبة للسلطات التونسيّة في القطع ذات القيمة التاريخيّة التي تكون ملكيّتها خاصّة، كما يقول إنّه لا يمكن جرد كلّ هذه الممتلكات التي تكون على ملك عائلات بعينها.

أعلنت وزارة الثقافة التونسيّة على أثر هذه الحادثة عن شروعها في جرد و صيانة للممتلكات العموميّة والخاصّة، فيما تسهر السلطات على حماية آثارها والمنقولات ذات القيمة التاريخيّة الموضوعة على ذمّتها عبر تخصيص متاحف لها تفرض عليها حراسة مشدّدة و مستمرّة.

وتسهر المكتبة الوطنيّة على جمع المخطوطات النادرة والعمل على رقمنتها حفاظا على هذه الثروة الثمينة للأجيال القادمة كما تؤكّد الدكتورة بن سلامة، وقد نجحت في حثّ أصحاب المراجع والوثائق والمؤلّفات القيّمة على التبرّع بمكتباتهم الخاصّة ليستفيد منها عموم التونسيين وللحفاظ على ذاكرة البلاد و تاريخها.

وأوضح محفوظ أنّ أغلب عمليّات التهريب لا تشمل مواقع رسميّة بل هي تخصّ معروضات على ملكيّة خواصّ.

ويمنع القانون التونسي إخراج "المنقولات المحمية" و ذلك وفق مجلّة خاصّة و هي مجلّة حماية التراث.

ويؤكّد المتحدّث أن حوادث تهريب المنقولات ذات القيمة التراثيّة والتاريخيّة تزايدت خلال السنوات الأخيرة لارتفاع الطلب عليها في سوق "مافيا الآثار" عالميّا، وقد تدخّلت السلطات التونسيّة في أكثر من مرّة لإيقاف عمليّات بيع لقطع ذات قيمة تاريخيّة.

و خلال فترة الاستعمار تعرّض جزء كبير من آثار البلاد التونسية إلى النهب والتهريب وتوجد هذه الآثار حاليّاً بعدد من المتاحف بأوروبا وخاصّة فرنسا ولم تستطع السلطات التونسيّة استرجاعها لكونها هرّبت قبل سنة 1970 و ذلك حسب ما تنصّ عليه اتفاقيّة "اليونسكو".