يَا فُؤَادِي  رَحِمَ اللهُ الهَوَى!

أحمد العرفج

لا يَحتاج النَّاس في مِثل هَذا الوَقت شيئاً، مِثل احتياجهم للقرَاءة، والتَّأمُّل في حياة الكِبار، مِن أُدباء ومُفكِّرين، ونَظراً لأنَّ الكَثير مِن النَّاس أصبح في الكُتُب مِن الزَّاهدين، فإنَّ "عُمَّال المَعرفة" مِن "أمثالي"، يَجب عليهم أن يَقوموا بدَورهم المُتمثِّل في الوَساطة، والتَّوسُّط بين القَارئ والكُتَّاب، مِن خِلال نَقل وإبرَاز وتَوضيح؛ بَعض المَلامح التي قَد يَنتفع مِنها النَّاس، لأنَّ مُهمّة "عُمَّال المَعرفة"، تَتمثَّل في "التَّعاون على العِلْم والوَعي، والابتعاد عن إثم الأُميّة، وعدوان الجَهل في عَصر الوَسائط..!
لذا سأتعرَّض في كُلِّ أسبوع؛ لمَلامح قَد تُفيد مَن يَقرأها.. والآن دَعونا نَتحدَّث عَن الشَّاعر "إبراهيم نَاجي" الطَّبيب الأديب..!
فمِن مَلامح حياته، التي قَد تُفيد الذَّاهبين إلى بريطانيا، حتَّى يَتنبّهوا إلى الحَوادث حين عبور الشَّارع، لأنَّ اتجاه السّير –هناك- مُختلف عَنه في العَالَم العَربي..!
يَقول الرّواة: عندما أصدَر الشَّاعر "إبراهيم نَاجي" دِيوانه البِكر "وراء الغمام"؛ في عَام 1934م، فُوجئ بحَملة شَرِسَة عَليه، وعَلى دِيوانه، بَل على شَاعريته، شَنَّها "طه حسين" و"العقَّاد"، فاستشعر ظُلماً غَليظاً وَاقعاً عليه، فقَرَّر هَجْر الشّعر نَهائيًّا، بَل هَجْر مصر، والنّزوح إلى الخَارج، بنيّة عَدم العَودة، ولكن هِجْرَته لم تَطل، لأنَّه تَعرَّض -في لندن- لحَادث سيّارة، كُسرت فيهِ سَاقه، فاضطر إلى التَّعجيل بالعَودة بالبَاخرة، وعند اقترابها مِن مِيناء "بورسعيد" قَال:
خَرجتُ مِن الدِّيَارِ أجرُّ هَمِّي            وعُدتُ إلى الدِّيَارِ أجرُّ سَاقِي!
ومِن مَلامح حياة الشَّاعر "إبراهيم نَاجي" -كَما يَقول ذَلك أديبنا الكَبير "وديع فلسطين"، أنَّه كَان كثير المُخالطة لأوساط الفنَّانين والفنَّانات، وهو مَا حَدا بكَثيرات مِنهنَّ إلى الزَّعم بأنَّه كَان مُتيّماً بِهنَّ، وبأنَّهنَّ كُنَّ "البَطلات" في قَصيدة "الأطلال"، التي ذَاعت ذيوعاً وَاسعاً بَعدما غَنَّتها "أم كلثوم"، فحَققَّت له أمنيته، ولكن بَعد أن مَات الشَّاعر، ثُمَّ جَاء الشَّاعر "صَالح جَودت" -مُؤرِّخ نَاجي- فأورَد أسماءً وعَدَداً مِن المُلهمات في حَياة "نَاجي"، وكُلّهنَّ "زوزو"..!
وقد ظَهرت في التّلفاز أكثر مِن "زوزو"، تُعلن كُلّ وَاحدة مِنهنَّ؛ أنَّها هي وَحدها بَطلة الأطلال، وقَامت "زوزو" أخرى، ونَشرت رَسائل مِن "نَاجي"، تُؤكِّد أنَّها هي الوَحيدة التي احتلّت قَلبه، وخَلَبَت لبّه..!
ومِن مَلامح الشَّاعر "إبراهيم ناجي"، أنَّه كَان "كَثير المُجاملة والحَفَاوة بالنَّاس"، لا يَصدُّ عن بَابه أحداً، يَقصده في عيادته مَندوبو الصُّحف والمجلَّات، فيَكتب لهذا مَقالاً، ولذاك قَصيدة، ولو عَلى وَرق التَّشخيص الطِّبي، ثُمَّ لا يَسأل عن مَصير المَقال أو القَصيدة.. حتَّى لقد امتلأت صُحف عَصره بآثاره، وهو ما صَعَّب عَلى جَامعي ديوانه مُهمَّتهم، وهو في نَثره مَالك لأدواته، شَأنه في الشِّعر..!
ومِن آخر مَلامحه، مَا ذَكره أديبنا "وديع فلسطين" حيثُ قَال: (صَحيح أنَّ المُطربة "أم كلثوم" أجرت شعر "ناجي" على كُلِّ لسان، بغِنائِها قَصيدة "الأطلال"، التي عَدّل "صالح جودت" في بَعض ألفاظها، وقَصيدة "مصر" التي مَطلعها:
أجلْ، إنَّ ذَا يَومٌ لمَن يَفتَدي مصرا      فَمصرُ هي المِحْرَابُ والجنَّةُ الكُبرى!
ولكن شَاعريّة "ناجي" كَانت عَارمة، حتَّى قبل اكتشاف "أم كلثوم" لَها، ولا عَليك يا "ناجي"، إذا كَانت سَفينة "أم كلثوم" الفَضائيّة لم تَهبط على قَمرك؛ إلَّا بَعد لّأْيٍ وعَنَاء..!

في النهاية أقول:
"إبراهيم ناجي" في نصِّه الأصلي يقول:
يَا فُؤادِي رَحِمَ اللهُ الهَوَى        كَانَ صَرْحاً مِن خَيَالٍ فهَوَى!
ورَحِمَ اللهُ شَاعرنا "إبراهيم ناجي"، فقد تَعبَ كَثيراً في حياته، وكُلّ ذَنبهِ –كما يَقول الأديب "أحمد زكي أبوشادي" في رثائه-: "إنه شَاعرٌ شَعَر