مقعد إضافي 

مها الأحمد 
مها الأحمد
مها الأحمد

استيقظ صباحاً قبل موعده المحدد بساعة واحدة؛ وكأن النعاس طرده فجأة من رحمته، توقف أمام مرآته ونظر إليها قبل أن تلامس المياه وجهه، لاحظ شيئاً غريباً في ملامحه وكأنها ليست له، اقترب أكثر من المرآه رافعاً حاجبيه بسرعة وكأنه يباغتها ليكشف حقيقتها، ضحك بصوت عالٍ وصرخ في وجهه الذي على المرآة ليخيفه ويقيس مدى تحكمه بالمشاعر التي يراها أمامه. 
هو على يقين بأن المرآة تكذب عليه هذه المرة أو ربما قررت أن تمازحه للمرة الأولى.
أخذ يردد: "لست أنا". صمت قليلاً ثم سأل: من أنا؟ 
نظر إلى نفسه راجياً إياها أن تخبره الحقيقة، أن تقف معه وتصدقه لكن من دون جدوى، ملامحه على الرغم من أنها تشبهه ومطابقة لصورته تماماً إلا أنها ليست له، يتحكم بها، ولكنه لا يملك منها شيئاً، غريبة عنه قريبة منه كما لو أنها تراه للمرة الأولى فأصابها الخجل. 
صحيح أن لديه ابتسامة عريضة، لكنه لا يشعر بها، وعيناه تنظران نحوه، ولكنه لا يراها، كتفه متدلٍ، وبشرته خالية من الألوان.
من شدة خوفه عاد ليتفقد سريره، ربما كان في حلمه يحلم، لم يجد نفسه في أي مكان من الغرفة!!
ذهب إلى مرآته الثانية عند مدخل شقته. وسألها مباشرة من دون أن يعبر عما يعيشه، أو يشرح حالة الرعب التي كانت تقيده: هل هناك من استبدلني بغيري؟! هل شاهدتِ أحداً يخرج مني أو يدخل إليّ؟! 
لم تتعجب من سؤاله، مع أنه كان من البديهي أن تستفسر منه أكثر، بل على العكس أخذت تستمع إليه من دون أن تقاطعه، حتى حينما كان يخفض صوته لم تطالبه بالإعادة، تفهمت حالة الشك التي كادت أن تصيبه بالجنون؛ وكأنها عاشتها معه من قبل.
حينما انتهى أجابت باختصار: أنا أصدق منك في الحديث عنك، ولكنك أصدق مني في معرفة نفسك، ومع هذا سأجيبك، ملامحك لم تتغير وحدك من تراها مختلفة، صدقني أنت الشخص ذاته الذي يتردد عليّ كل يوم، السر ليس في شكل الملامح، بل في مشاعرها.
في الأمس كنت حزيناً منطفئاً، لم أرك حينما مررت من أمامي لكنني عرفت لماذا تتفاداني، تخفي عني أو عن نفسك أنك تشعر بالحزن أليس كذلك؟! 
عليك الاعتراف ببساطة يا عزيزي أنت "حزين"، وهذا ما جعلك تتبرأ من نفسك قبل قليل وتستنكر ملامحك. اعتدت أن تعاقب ملامحك إن تغيرت مشاعرها، فـأنت تحب نفسك بصورة واحدة، وتخشى على صورتك في أعين الآخرين. 
أنت بخير وستكون بخير، تقبل مشاعر الحزن، وامنحها فرصة لتعيش معك، ولا تخف ستعود السعادة إليك وستأخذك مرة أخرى منك، فهي لا تغيب كثيراً لكنها تحترم الحزن أكثر منك وتترك له مقعداً إضافياً.