رحلات تسافر معها مشاعرنا..

مها الأحمد 

 

في السابق كنت دوماً أقف مذهولة وسط الحوارات التي بالكاد تُسمع في تلك المطارات المزدحمة بالمسافرين، وحقائبهم الكثيرة، والمودعين وصوت ندائهم المبحوح، وبعدد لا نهائي من المشاعر المتضاربة.

 راهنت في كل مرة على بعض الأحاديث والحوارات أنها إما قيلت وإما ستقال لا محالة بعد أقل من ثانية، وربحت في كثير من المرات هذا الرهان.

كنت أراقب بعناية ذلك المشهد الصامت، الذي يحمل بين جوانبه ألف كلمة ومعنى، كي لا أفقد منه أي لحظة، ففي هذا المكان المشاعر تكتسب سرعة إضافية، فتصبح أسرع بكثير مما هي عليه في الواقع، تتقلب بين الحزن والسعادة، الخوف والانتظار، الاشتياق والحماسة، واحدة تلو الأخرى من دون فواصل زمنية أو ترتيب منطقي لها، ما جعلني لا أستطيع المرور على جميع الوجوه لأفرق بين هذا وذاك، وفي الحقيقة لم أكن مهتمة للتدقيق بها، أو النظر إليها، بقدر ما حرصت على سماع ومراقبة ملامح المشاعر الصادقة التي كانت تكسوها رغماً عنها.

تلك السعادة في وجوه العائدين إلى ديارهم المفضلة التي نشأت بها ذكرياتهم وأحلامهم وخططهم المستقبلية، هناك من يترقب عناقاً طويلاً لا انقطاع فيه أو تأجيل، وعند السلالم الكهربائية هناك أطفال تكسوهم الحماسة، تدور رؤوسهم وأعينهم باتجاهات مختلفة بحثاً عن أياد كبيرة تلوح لهم من بعيد، هناك في الجهة المقابلة، جدات يفتحن أذرعهن منتظرات لحظة امتلاء أحضانهن بهم.

وعلى الجانب الآخر في صالة المغادرة، يسكن الحزن في أعين أولئك الذين فارقوا أماكنهم ومن أحبوا فيها، ليتجهوا نحو ديار لا تشبههم، ولا ذكريات لهم بها، فلا أحد ينتظر عودتهم هناك، ولا قلب ينادي لهم من قريب.

كنت أؤمن بأن في هذه اللحظة لا يمكن لأحد أن يخفي مشاعره، حتى وإن كانت ممنوعة، فهناك من يشير إليها مهما دُست في حقائب السفر، أو في الأيادي المودعة.

الكثير من القصص للأشخاص أنفسهم مع اختلاف مشاعرهم، أو للمشاعر ذاتها مع اختلاف الأشخاص يمرون كل يوم من هذه البوابة..

 

المطارات هي المكان الذي يجمع مشاعرنا الحقيقية التي لا تفسير لها، فهو الأقسى في الوداع والأجمل في العودة.