حقيقة الفن الإسلامي

لولوة الحمود

 

لاشك أن الفنون الإسلامية تركت إرثاً عظيماً أضفى جمالاً على مختلف جوانب الحياة، ولم يقتصر على الهندسة المعمارية فقط، بل اتسم بكونه فناً تطبيقياً معنياً بأصغر الأشياء التي نستخدمها يومياً فأصبح التناسق والجمال سمة هذا الفن الذي امتد شرقاً وغرباً ما أضفى عليه تنوعاً ملحوظاً. ولكن لم يكن هناك فهم صحيح للفن الإسلامي، فالكثير من المختصين في الغرب وصفوه بالفن الزخرفي بسطحية وفسروا بعده عن مدرسة الفن الواقعية لسبب واحد، وهو تحريم تصوير الشخوص في الإسلام. فالعديد من الكتب التي قرأتها والتي تبدأ بتفسير فنون المسلمين باعتمادها على الخط والزخرفة ترجع ذلك بسبب هذا التحريم المزعوم. هناك خلط كبير وسوء فهم في هذا المفهوم، فقد حرم الإسلام عبادة الصور والتماثيل وتقديسها، ولم يحرم رسمها كوسيلة تعبيرية بعيدة عن التقديس. الفن الإسلامي جاء موازياً للفكر والثقافة الإسلامية التي ازدهرت في وقت كان الغرب فيه يعاني من الجهل والتراجع. الفكر الإسلامي كان منفتحاً وعالمياً وهو رسالة كونية تحمل معانيَ سامية. 

من يبحث في الفن الإسلامي يجد أنه بدأ كمدرسة فنية جديدة قائمة على التجريد؛ لأنه بني على فكر متطور عميق معني بالكون ومرتبط بالعديد من العلوم كالهندسة والفيزياء والرياضيات. فالتقليل من قيمة هذا الفن دليل على عدم فهمه. فقد احتفل الغرب بالفن التجريدي الحديث في بداية القرن العشرين ورواده فاسيلي كاندينسكي الذي أنتج أعمالاً تجريدية بحتة ذات بعد روحاني، وله كتابان يؤكدان تأثره الكبير بالفن الإسلامي وبول كلي الذي تأثر بشكل واضح بفن الفسيفساء بعد زيارته لتونس. هؤلاء الفنانون وغيرهم اتجهوا للتجريد، ولم يكن لتحريم تصوير الشخوص أي سبب في توجههم له.

فهل نسي باحثو الغرب أن الفن الإسلامي قام كنهضة فنية ومدرسة حديثة في وقته قبل ذلك بقرون؟ هذه النظرة جعلتنا نحن العرب ننظر للفن الغربي الحديث كرائد للتجريد، ونسينا أيضاً أن الثقافة الإسلامية هي التي أثرت في الفن الغربي. وقد انتبه الغرب مؤخراً لأهمية هذا الفن، كما سبقتنا المتاحف الغربية التي خصصت جزءاً للفنون الإسلامية لعرض الآثار الإسلامية بما فيها الفنون المعاصرة. لحسن الحظ أن هناك عودة للإرث الذي نسيناه لقرون واهتمام ملحوظ بالفنون وعلى رأسها الفن الإسلامي. فسعادتي لا توصف بإنشاء متحف للفن الإسلامي في المملكة العربية السعودية.

هذه السعادة لعلمي بالتأثير الإيجابي الذي سيعود على المجتمع والذي سينعكس على مستوى الفنون بأشكالها بما فيها الفنون التطبيقية كالتصميم، وسنصل لأفضل النتائج إذا كان للمتحف دور تفاعلي مع المؤسسات التعليمة، فذلك سينتج أجيالاً تعتز بثقافتها ومنفتحة على العلم وقادرة بشكل أكبر على الدفع بعجلة التطور، كما تتمنى قيادة هذا البلد حفظه الله.