المودّة والرّحمة

الدكتورة مايا الهواري

 

هل تغار الزَّوجة من زوجها؟ هل يغار الزّوج من زوجته؟ هل يُعقل ذلك؟

الجواب: هذا تصرّف غير صحيح؛ لأنّ الزوجَين يشكلان أسرةً واحدة، وفريق عملٍ واحد متكامل، متحابّان فيما بينهما، تجمعهما علاقة الودّ والرّحمة والمحبّة، وقد قال الله سبحانه في كتابه العزيز: "وجعل بينكم مودّة ورحمة". كما نعلمُ جميعاً أنّ لكلّ فعلٍ ردّ فعل، فالمودّة والرّحمة ردّ فعل ظاهر عن الشّعور المستوطن في القلب.

أحياناً نصادف قلباً يمتلك الرّحمة، ولكن ليس شرطاً أن يمتلك الحبّ، في هذه الحالة نطلق على هذه الرّحمة اسم الإنسانية، أمّا الحبّ فهو حتماً يمتلك الرّحمة والمودّة لأنّهما الصّمغ الذي يربط الأسرة مع بعضها، والتي بدورها تُعدّ نواة الوطن.

قد يعتقد البعض أنّ المصالح التي تربط علاقات النّاس مع بعضها هي الصّمغ، كاشتراط كلٍّ من الرجل والأنثى أثناء الاتفاق على تكوين أسرة أن يكون كلّ من الشريك يمتلك مورداً ماديّاً يكون له معيناً في هذه الحياة، فالزوج يبحث عن زوجة عاملة ولديها مصدر للدّخل المادّي؛ حتّى تعينه على مصاريف الحياة، وبالمقابل يكون شرط الفتاة لقبول الزّوج ألا تنفقَ أيّاً من راتبها على المنزل. والسّؤال الذي يطرح نفسه: هل هذا هو التّصرّف السليم والتّفكير القويم؟

الشيح زايد رحمه الله مكّن النّساء من خلال رؤيته للمستقبل أن يكنّ عوناً لأزواجهنّ وأُسرهنّ؛ لتكوين أسرة متكافئة متساوية متصالحة فيما بينها، يُزيّنها التّعاون الجميل، الذي يُبَثُّ في نفوس الأبناء، وتربيتهم على خدمة أوطانهم، فوجود المودّة والرّحمة كفيلان بتغيير الفكر الإنسانيّ، ويُعدّان البوصلة للتّواصل مع الأزواج والآخرين. كما أنّ الرّحمة تجعل الفكر قابلاً للتّغيير، ومجالاً لاحترام كلٍّ من الطرفين للآخر، كاحترام المكانة والوجود في الأسرة، ومنح مساحة كافية لكلٍّ منهما، واحترام طموح كلّ طرفٍ ومساعدته على تحقيقه؛ لأنّ نجاح أحدهما يعني نجاح الآخر، فالزّوجان كلٌّ متكاملٌ ومتوافقٌ في الوقت ذاته.

ومن هنا فإنّ عملية التّخطيط للزّواج وبناء أسرة ناجحة يتطلَّب تعاونَ الطّرفين؛ لتشكيل فريق عملٍ متعاون، يمتلك رؤيةً واضحةً وهدفاً واحداً، وبالتّالي تسود بينهما المودّة والرّحمة، ويتشكل طريق السّعادة (وجعل بينكم مودّةً ورحمة)، أمّا إن اختلف الطرفان فسوف تهلك هذه الأسرة، ويذهب كلّ منهما في اتجاه مغايرٍ للآخر.

لذا نستخلص أنّ سرّ نجاح العلاقات أيّاً كان نوعها هو الرّحمة والمودّة وإعطاء مساحة خاصّة للآخر، ومن خلال ذلك تنشأ علاقات ذات أواصر متينة، لا تزعزعها نوائب الدّهر.