الخوف من التعبير

د. سعاد الشامسي 

 

الصمت يقتُل، يطيحُ في أرواحِنا عِتاباً مُبرحاً، يُعذِبنا في كُل دقات الساعة، ويجتاح أفكارنا النقية فيُعَكِرها، يُسوِدها، ويلُونها بخيبة الأمل، الصمت يقتُل القلوب، يُلقي بِها في ثكنات الحرب، ويترُكها ضعيفة عاجِزة، فإلى متى ستبقى تِلكَ الطبيعة في داخلِنا؟ تلتهِم أجمل ما فينا، تُسيطر على تعبيراتنا الإنسانية، وتُجبرنا على الجمود في نُقطةٍ واحِدة. كهف مُظلِم يحبِسُ أنفاسِنا، وظُلمة تربُط ألسنتنا عن النُطق والانطلاق..

نَخافُ، حينما نخشى المُستقبل، نخافُ مِن غموض الأقدار، وما تُخبئهُ لنا الأعوام القادمة، أحياناً نخافُ مِن أنفسنا، نخشى أن تتغير طبائعنا وسلوكياتنا المُعتادة، نخافُ مِن كُل ما قد يُغير مسار حياتِنا الحالية، رُبما يدفع بِنا إلى حياةٍ أسوأ، وظروفٍ أكثر قسوة..

أحياناً نشعُر بالقلق، هل ننجح في تحقيق ما قضينا سنوات في الوصول إليه، هل سنتذوق يوماً نكهة النجاح، وحلاوة الحرية، نشعُر بالقلق، حين نلتقي أُناساً جدداً، لا نعلم ما إذا كُنا سنَجِد فيهِم الخير أم الشر، التفاؤل أم اليأس، القوة أم الضعف؟، نشعُر بالقلق مِن تقلُبات الزَمن ومُفاجآت الأيام..

أحياناً نشعُر بالحُزن حين نتذكر ما قد مضى، نتذكر أناساً فقدناهُم من دون حُسبان، من دون مُقدماتٍ أو إنذار، نشعُر بالحُزن على مَن ابتعدوا عَنا، على كُل اهتمام قد نفذت صلاحيتهُ، فتحول في ليلةٍ وضُحاها إلى تجاهُل وإهمال، نشعُر بالحُزن حين نُمارس أعمالنا اليومية من دون تغيير، من دون إحداث فارِق أو تجديدٍ يُذكَر..

وعلى الرغم من كُل ما يجتاح كياننا مِن مشاعر وأفكار وخوفٍ وألم، إلا أننا نخشى إظهار ما نُخفي، نخاُف على ما في صدورنا كأنها شيء مُعيب، وكيف لنا أن نتكتم على جُزء مِن ماهيتنا الإنسانية، وكيف للإنسان أن يعيش من دون أن يعترف ويتحدث وينطلق لسانهِ واصِفاً أدق تفاصيل مشاعره..

إننا بحاجة للوقوف عِند كُل لحظةٍ نشعُر فيها بالوِحدة، نشعُر فيها بألا يسمع أفكارَنا سوانا، فـ نبدأ بالتحدُث، بالاعتراف بما يدور في تِلكَ القلوب الواهِنة، والتعبير عن مشاعِرنا الإنسانية بحُريةٍ مُطلقة، مادامت تِلكَ المشاعر لا تجرح الآخرين ولا تؤلمهم، فلِم نُخفيها، وإلى متى سنبقى جماداً أمام أعيُن الناس، حتى نتستر على كُل تِلكَ الأحاديث الدائرة في دواخلنا، فالتحدُث والتعبير يُطلق حُرية العقل، ويُزيد مِن تفاؤلنا وتماسُكنا مهما ثَقُلت الهموم، مادام هُناك منفذ لها بالحديثُ عنها، فلن تسقُط الأقدام ولن تستلم عقول العابرين.