التّوازن بين العقل والقلب

الدكتورة مايا الهواري

 

لقد خلق الله تعالى الإنسان وجبله على العقل والعاطفة بنسبٍ متفاوتةٍ بين البشر، وهنا السؤال الذي يتبادر إلى أذهاننا جميعاً: هل من الممكن أن ينقلب الحبّ بدرجة الجنون (بما يسمى العشق) إلى كره بالدرجة نفسها وذلك إزاء موقف معين؟

نعلم أن كلمة (كره) تعدّ من الكلمات التي تجلب الطّاقة السّلبية، لذا نحاول دائماً الابتعاد عنها، وبالمقابل أثبتت البحوث أن العلاقة بين الحب والكره هي علاقة طرديّة، فكلما زاد الحبّ لدرجةٍ كبيرةٍ انقلب كرهاً بتلك الدرجة نفسها؛ حال حصول موقفٍ معين لم ينَل القبول أو الرضى. فالقلوب تتآلف وتنجذب فيما بينها، فالإنسان يتواءم فكرياً مع من يشبهه من الأشخاص، وتجمعه معهم صفات معيّنة كالحبّ والاحترام والتبادل والالتزام والثقة والمصداقية والأمان من جهة، ومن جهةٍ أخرى قد يجمعهم الاهتمام والتفكير والآراء المشتركة ذاتها، ما يجعل الأمر يتطور بينهم إلى ما بعد الانجذاب، ليصبح تعلّقاً ومن ثم يدعمه الاحتواء والتواصل المستمر بين الطرفين لتبدأ بذرة الحب بالنمو تدريجيّاً. فالحب لا يأتي فجأة وإنما يتم بناؤه درجة درجة كبناء المنزلِ، ما يجعلنا نقف عند مقولة «الحب من النظرة الأولى»، والتي تحمل اتجاهين اثنين: القبول أو الرفض. فقد فسّرت البحوث أن الحب من النظرة الأولى هو عبارة عن انجذاب بين طرفين، وهذا الانجذاب هو أول مراحل الحب، أما ما نجده في علاقة الحب من النظرة الأولى من قبل أحد الطرفين فقط دون الآخر ومن دون أن يعلم الطرف الثاني بمشاعر الأول تجاهه وحبه له وما يضمره من أحاسيس جياشة نحوه، ويعيش الأول على أمل هذه المشاعر، ويبني أحلاماً كبيرة على إثرها، فإنه سرعان ما ينصدم ويُصاب بالخيبة عندما يعلم ردة فعل الطرف الثاني تجاهه، وأنه لا يبادله تلك المشاعر، فيتسبب ذلك بصدمة عاطفية تؤلم قلب هذا العاشق المتيّم، هنا تكمن أهمية التوازن العاطفي ودوره في جعل الإنسان متوازناً داخلياً، وأن يكون عقلانيّاً يُعمِل عقله وتفكيره وليس قلبه فقط. وأن يتوسّط في كل شيء، بأحاسيسه ومشاعره وحبه وكرهه، فخيرُ الأمور أوسطها؛ لأن الاعتدال والتوازن يحمي النّفس من الإرهاق المحتّم، وخاصة إذا منح تلك المشاعر درجة عالية من الاهتمام والأهمية في حياته ولم تكن النتيجة على قدر المنح، فيتسبب ذلك بإرهاق عاطفي وتعبٍ نفسيّ داخلي يمزّق صاحبه، ويفتت قلبه حزناً على مشاعره التي ضاعت. وبقدر طول مدة العلاقة والحبّ يكون عناء القلب الذي بدوره يستغرق وقتاً طويلاً للشفاء والخروج من هذه الحالة النفسية المؤلمة، على سبيل المثال: العلاقة بين زوجين آلت بعد مدة زمنية طويلة إلى الطلاق والانفصال، هذه العلاقة قد تستغرق وقتاً طويلاً للشفاء والخروج من حالة الإرهاق والتّعب النّفسيّ. لذا وَجُب التنويه إلى المحافظة على التوازن الداخلي للإنسان نفسيّاً وعاطفيّاً؛ حتى يغدو إنساناً متوازناً قادراً على مواجهة الصّعاب والوقوف والاستمرار في هذه الحياة. طيّب الله أوقاتكم أعزائي القراء، ورزقكم حبه وأبعد عنكم العناء والتعب.

دمتم بخير.....