"مات طير بروحك"

د. سعاد الشامسي 
د. سعاد الشامسي
د. سعاد الشامسي

كلما رأت شخص حزين نظرت له بعينين حادتين تكشفان ما هو مخفي ، رددت " مات طير بروحك " واصفة حياته بجملة مختزلة "أكتافه ثقيلة وطيوره قليلة"..

بدوري كنت أستعجب طريقتها في قراءة قدر الإنسان وتخمين همومه حتى فاجأتني قائلة:

- كل ما المحك حزينة، اردد ذبحوا خاطر الطير فيها

أنكر الحزن المتربص لي وأسايرها: طيور بلا دماء

تضحك وترشني بالملح، هي امرأة معبأة جيوبها بالملح وقلبها قالب ملحي لا يذوب..

في كل مرة أحزن، أجد أقدامي تسير نحو بيتها البعيد، أركب مواصلتين، ثم أسير حتى بيتها النائي لأجدها تُطعم الطيور والقطط والدجاج وكل ما دب في جسده من حياة في آن واحد، لم ألق التحية كما أوصتني، بل أن أظهر كأني لم أغب، أن أباشر الكلام كأنه لم ينقطع..

فعلقت على الأمر: الأرواح هنا حظيت بتربية جيدة

تجيبني أجوبة تبهرني:

- بل أشبعتها جيداً، إنها مثل الإنسان إذا جاعت افترست، لذلك علينا أن نُشبع الحاجة..

اسألها: هل درست جامعة؟

- لا، ولكن يمكنني إلقاء المحاضرات فيها، أم أن لك رأي آخر؟

أترك السؤال عالقاً في الهواء دون أن ألتقطه..

تسألني عن العائلة، فأجيب أنهم بخير وأدفن الهم تحت حذائي، تغتالني بلطفها وتمد يدها وتسحبني معها للبيت، تجلسني وتقرر أن تروي لي حكاية:

- جئت من بلاد الحزن،

تسًور النساء فيه

كآنية سيأتي من

يشتهي أن يشرب

العسل فيها

كلما اشتهيت شيئاً

من الحياة

قالوا

إنها هفوة

وحين تذوقت ملمس

الأطفال وهم يولدون

قلت أريد طفلاً

ليخفف عبأ الحياة

خلف هذا السور

فاغتالني أخي

لأني وقحة

وحين أصابني

ذلك الداء

الذي يصيب الجميع

في عمر الزهور

أفشيت سري لأمي

فطلبت أن يُقيدوا

قلبي كي لا أفضح

العشيرة

قلت أريد أن أتعلم

أن أميز الحروف

فصدني أخي

بسيف عروبته

لا علم للفتيات

هنا وخدعتني أمي

حين ادعت أن الصحراء

تهوى أن تسبب التيه للمتعلمين

وأني إذا كبرت

علي أن أتزوج

واقرأ خطوات زوجي

فقط

في الليل

الذي لا وجه له ..

عرفت السور والحدود

حتى جاء حارس

يسرد كل ليلة

حكاية

كان يُعلمني

علاقة الطير

والإنسان

أشار لي على عنقي

اطلبي من أهلك طائرك

ليحلق على أكتافك

ضللت أردد الجملة هذه

حتى ظنني أهلي أني مجنونة

فأحظروا طائراً مسيج

ليهدئ من روعي

وبعد ليالٍ وجدته

فرأيته منكسراً

يغط في نوم عميق

لا صحوة منه..

جاء الحارس

ليأخذ الطير

إلى موته

وقال قبل أن يغلق الباب

خلفه:

موت طائر

يُمثل الحياة فينا،

فاحزني كما شئت

حين يقتلون الرغبة في نفسك

اهربي بطائرك قبل أن يموت