لغة الروح

د. سعاد الشامسي 

نظرة تَحمِلُ ألف معنى، ترتقي بِكَ إلى ما فوق النجوم، تتلاعب بعُمرك في طرفة عين، تُعيدك إلى ما قبل الوعي، تزيح إدراكك جانباً، فينكَمِش قلبك إلى النِصف، ويصير عقلك في الرابِعة مِن عُمره، تتأرجح الحياة في عينيك على يدي طِفل، تتساقط أوراق الورد القُرمُزي على أرضِك، فتَجعل مِنكَ مَلِكاً مِن ملوك أوروبا في القرن الحادي عشر، تختال في جَنّتك مُتكَبِراً كأنك ملكت الدُنيا بأسرِها في حافِظةٍ صغيرة. يفرز عقلك هرموناً من السعادة يمنحك الخلود بالحياة، هذا هو أكسير الحياة الذي طالما بحث عنهُ البشر في كُل بقاع الأرض..
تبدأ اهتماماتك في التساقُط شيئاً فشيئاً، يُنادونَك فلا تسمع أحاديثَهم، تبدأ أوقاتَك في الاختلاط، وكُل خطة قد أعددتها يوماً أُلقيت الآن في إحدى أدراجك المُهملة..
إنه الوجه الحقيقي للحُب، حين تضع حياتَكَ بأكملها بين كفوف مَن تُحِب، حين تلتقي الأعيُن فتتحدث بلُغةٍ لا يفهمها سواها، حين تتلامس الأيدي فتنتقل حرارة الإعِجاب مِن أحدكما لتسري في أنسجة الآخر، حينها فقط تستمِع لموسيقى لا تُعزَف، وتُمطِر السماء ماء زهر وشهد، وتُصبِح في كوكبً مِن الياقوت، تتلاشى صور بني البشر مِن مُخيلتك، فلا ترى سوى وجه كالقَمر حين يكتمل، وعينين مرسومتين مِن ماء الذهب، وشعرٍ كالموُج يُزين اللوحة، كُلما نظرت إليها ازدادت جمالاً..
لأنك إذا أحببت يوماً.. وقلت "أحبك"، نعم يقال إنها فقط كلمة ولكن في الحقيقة هي أحرف غيرت مجرى العالم، جمعت وفرقت، أدمعت وأسعدت، ومازالت تدور بين قلوب البشر، لَكِن يوماً لم يفهمها أحد.. 
إذا أحببتَ يوماً، لا تَكُن كالطير الشارد في سماءٍ تعِجُ بالسُحُب، تائِهاً بِلا هدف أو جدوى، سابحاً في بحورٍ ضَحِلة مِن الأفكار المُشتتة. إذا أحببت حقاً، لا تَكُن كصورة النجوم الباهتة بعيدة المنال، أو كسراب مِن بئرٍ أجوف تَحدهُ ألسنِة اللهب، فلا يقرُبها الظمآن ولا يَقدِر على تجاهُلها مَن ارتوى.. 
إذا أحببتَ يوماً، كُن صادِقاً فيما تقول، واعِداً بما في قُدرتك، شاعِراً بمن أحببت. كُن واضحِاً كـنقاء الماء في كأسٍ من الزجاج، هادئاً  كموجِ البحر في موسِم الصيف. كُن دائماً كما ترغب أن يكون عليه من تُحِب..
أحياناً تكون للعلاقات فترة صلاحية، حينما نهتم بمشاعِرنا ونتجاهل ما يشعُر بهِ الطرف الآخر، حينما ننظُر إلى صورة وجوهنا فقط في المرآة، و لا ننظُر إلى ما أنار ذَلِك الوجه وأعطى بشرتهُ نضرة و جمالاً..
أحياناً تشعُر بالخوف، أن تنتهي تِلكَ العلاقة فجأة فتصيرُ ضائِعاً  كورقةٍ مُتطايرة في ريحٍ عاصفة، و لا تعلم أن ذَلِك الخوف هو الثقب الأول في قارِب تِلك العلاقة، لتبدأ بعدها بالغرق تدريجياً، من دون أن يشعُر أحدَكُما بالكارثة، لقد انتهى كُل شيء الآن.. وأنت لاتزال تُحِب وترغب..
إذا أحببت يوماً، كُن على يقين بأن علاقَتِك ينبغي أن تستمر، ينبغي أن تُكتَب في سِجل الخلود، وأن تكون تِلك العلاقة هي جُزء لا يتجزأ من حياتِك، كالهواء.
حينها فقط ستُدرِك أن الحُب يعني الاستمرار، يعني العقيدة التي تمنحك أحقية الوجود، فما جدوانا من دون حُبً ناضِج يَحتضِن ضعفنا، ويهون علينا مشقات الحياة.. 
وحين تَصِل إلى تِلك اللحظة، دع عقلك يُسانِد القلب بالشعور، فَكِر فيما إذا كانت هذه اللحظة لساعاتٍ، لشهور، أو لسنواتٍ قادِمة.. فَكِر فيما إذا كانت تِلك اللحظة هي عُمرك القادِم بأكملهِ، هُنا يَعمل عقلك على خلق ميزان مِن المَنطِق والبصيرة، لتَزِن الأمور قبل أن تختل إحدى الكفتين، ليَكُن حُبَك صادِقاً ومُتوازنِاً، ما بين مشاعِرَك النقية وعقلك الحكيم..