رفاهية لا تؤذي الطبيعة

رويدا أبيلا

تلعب السياحة دوراً مهماً في اقتصاد العالم بأجمعه، فهي تخلق ملايين الوظائف، وتنشر التراث، وتقرب الثقافات، ويمكن أيضاً أن تساهم في الحفاظ على التنوع البيئي.
قبل جائحة عام 2020، كان قطاع السفر والسياحة يقف وراء 1 من 4 وظائف جديدة، في جميع أنحاء العالم، وفقاً لتقرير التأثير الاقتصادي العالمي الصادر عن منظمة السياحة العالمية.
وليس سراً أن صناعة السفر العالمية، التي تبلغ قيمتها 8 تريليونات دولار، قد تأثرت بشكل كبير بفيروس كوفيد-19؛ ولكن في الوقت نفسه أتاح الوباء فرصة لمحترفي السياحة والضيافة لإعادة التفكير في كيفية تحسين القطاع ليكون أكثر مرونة واستدامة، مع الحفاظ على النظم البيئية، خاصة في المجتمعات المتنامية.
السفر المستدام، أو السفر الأخضر، هي مصطلحات تستخدم عند الحديث عن السفر الذي يدعو المسافرين إلى أن يكونوا مدركين لمدى تأثير أفعالهم عند السفر على الوجهات التي يقصدونها وسكانها. هو يعني تقليل التأثير السلبي للسفر على الثقافة والبيئة المضيفة، وتحويلها إلى مساهمة إيجابية بإمكانها تحسين الاقتصاد والمجتمعات المحلية. 
خلال العقد الماضي، أو نحو ذلك، ارتقى مفهوم الرفاهية من ما يمكن شراؤه واقتناؤه، إلى أصالة التجارب التي يمكن أن نعيشها؛ وهذا ينطبق بشكل خاص على السفر. حيث ظهر جيل جديد من المسافرين، وهم المعنيون بالسياحة الصديقة للبيئة. ولذلك بدأ قطاع السياحة بتلبية احتياجات هذه الشريحة، بتقديم خيارات تأخذ في الاعتبار الآثار الاقتصادية، والاجتماعية والبيئية، الحالية والمستقبلية، عند السفر، وأصبحت تقدم لهم الفرصة للمساهمة في تحسين المجتمعات المضيفة. 
على سبيل المثال، المنتجعات الواقعة في مناطق استوائية محاطة بالبحار، لديها العديد من مشاريع الحفاظ على البيئة البحرية، من زراعة الشعاب المرجانية، ومراقبة التنوع البيولوجي البحري، إلى إجراء جلسات تثقيفية للضيوف حول التهديدات البيئية، وكيف يمكنهم تعويض بصمتهم الكربونية أثناء العطلة. 
بعض الفنادق في المالديف، تهدف إلى تثقيف الضيوف في مرحلة مبكرة، من خلال تقديم تجارب تفاعلية معنية بالأطفال، حيث يتم دعوتهم للانضمام إلى علماء الأحياء البحرية في تتبع الأنواع المهددة بالانقراض، والمشاركة في الأنشطة التي تعلمهم عن محيطهم. ويشاركون أيضاً في دوريات مراقبة على الشواطئ بحثاً عن أعشاش السلاحف، ويتعلمون حب البيئة وتقديرها..
وتدعم العديد من الفنادق الآن الزراعة المحلية، والتعامل مع صيادي الأسماك المحليين، ما يوفر للسائحين تجربة غنية، وفي الوقت نفسه يتم دعم بيع المنتجات المزروعة محلياً. 
تُستخدم محولات النفايات العضوية، في بعض الفنادق، لتحليل نفايات المطاعم، ويتم استخدامها كسماد لحدائق الفندق، ويتم أيضاً إعادة تكرار زيوت المطبخ المهملة، وتحويلها إلى شموع، ويستخدمون أيضاً بقايا البن من صناعة القهوة لإنشاء مقشر عضوي للجسم، يُستخدم في المنتجعات الصحية.  
ليس من المستغرب إذن أن يتم بناء مدن جديدة بأكملها تتمحور حول الاستدامة. لقد وضع أحد المشاريع الضخمة في المملكة العربية السعودية، "نيوم"، رؤية لإنشاء مجتمع مستدام بالكامل، ما يعد بثورة في أسلوب الحياة الحضرية المدعمة بالتكنولوجيا. وستمتد هذه المدينة لمسافة تزيد عن 170 كيلومتراً، وستكون موطناً لمليون شخص، بينما تتكامل مع الطبيعة وتحافظ على 95٪ من  طبيعة نيوم. مع عدم وجود سيارات أو شوارع أو انبعاثات، ما يمثل حلماً لجميع المعنيين بالسياحة الخضراء. 
  
السفر المستدام ليس اتجاهاً، أو موضة ستزول، إنه ضرورة وُجدت لتبقى. يجب أن تبحث منظمات السفر والضيافة باستمرار عن طرق متجددة ومؤثرة للقيام بأعمالها بشكل يحافظ في الوقت نفسه على الطبيعة ومواردها. الاستدامة هي التزام يجب نسجه في الحمض النووي وفلسفة التشغيل الخاصة بالفنادق والمرافق السياحية، حتى تزدهر السياحة وتظل للأجيال القادمة. أحد الدروس التي علمنا إياها الوباء، هو أن السفر لم يعد فقط للترف والتسلية، بل إنه يمثل جزءاً لا يتجزأ من أسلوب حياتنا، ولذلك علينا ان نعي ان طريقة اختيارنا للسفر مهمة.