بين الإلهام والتقليد 

لولوة الحمود

 


الإبداع سمة خصها الله بالبشر، يبحر فيها الفنان أو الأديب أو الموسيقي، وغيرهم من المبدعين، في رحلة للتعبير بطريقة غير معتادة، قد يستوحي المبدع ويستفيد من تجارب غيره، فليس من العيب أن نستوحي ونستقي من أعمال من سبقونا، ولكن علينا أن نضيف شيئاً جديداً تصبح فيه هذه الإضافة سمة خاصة بنا...
وينطبق هذا على جميع أنواع الإبداع، سواء كان أدباً أو فناً أو تصميماً. فالإبداع هو نتيجة للبحث والتراكم المعرفي، فالأديب بحاجة للقراءة ليتمكن من الكتابة، والفنان لابد أن يكون مطلعاً على أنواع الفنون، وينطبق ذلك على التصميم بأشكاله. عندما يصبح للمبدع جعبة معرفية كبيرة سينعكس ذلك إيجابياً على عمله. فكل هذه المعارف يتم برمجتها في العقل لتكوين فكرة جديدة، وهذا تأكيد أن كل ما نبتكره هو نتيجة للتراكم المعرفي. 
الفنان المبدع هو من تعلم القوانين وخرج منها بنتيجة مختلفة. هناك قواعد وأساسيات لا بد أن يمر بها الفنان ليتعلم منها أصول المهنة، منها مثلاً نظرية اللون، فكل من درس أو مارس الفن التشكيلي مر بهذه التمارين الرتيبة، ليستطيع إعادة صياغة القوانين بما يناسبه. 
الإبداع لا يمكن أن ينتجه صاحبه من دون خيال، ولكن هذا الخيال موصول بالبحث والجهد العملي، كما أنه يمر بمراحل، منها الفكرة والبحث والتجربة، والمقلد يقفز فوق كل هذه المراحل وصولاً للنتيجة النهائية التي وصل إليها المبدع.
عندما يقتبس الفنان الفكرة واللون والتشكيل كمنتج نهائي، فهو لم ينتج عملاً، بل نسخ عملاً لفنان آخر، والفرق بين المبدع والمقلد هو أن المقلد أخذ جهد ومعاناة فنان وصل لما يميزه عن غيره ونسبه إلى نفسه ببساطة.
ويبقى هناك فرق بين التأثر والتقليد، وعموماً، يمر الفن لدينا بنوع من الفوضى يكثر فيه التقليد وجحد الآخرين، ويرجع السبب في ذلك إلى قلة الكتابات النقدية والتقييم الفني بشكل عام. لا شك أننا لا نستطيع لوم الفنان وحده، لأن هناك من يشجعه على أخذ جهود الآخرين ببساطة، منهم صالات العرض وأصحابها، وأيضاً الإعلام غير الملم بموضوعه، وغير المسؤول. وأنا على ثقة بأن هذا الأمر سيتغير مع التغييرات الإيجابية التي نمر بها.
كفنانة أحب أن أعترف بفضل من أثرى فني، سواء في التنفيذ أو الفكرة، لأنهم أضافوا لي علماً، وكان لهم فضل كبير في مسيرتي الفنية. ولكن لكي لا يصبح ما أعمله تقليداً، على أن أترجم ما استفدت منه بأسلوبي الخاص، وأضيف شيئاً لم يسبقني أحد فيه.
 وأختم بنصيحة للمبدعين، وهي أن التقليد يُذكر الناس بصاحب العمل الأصلي، أما الاستيحاء فيثير الإعجاب بالعمل، كونه مرتبطاً بصاحبه.