انتهت نسختنا النهائية

مها الأحمد 
مها الأحمد
مها الأحمد

(أصدقاء النضج): مصطلح لا نتداوله أو نستخدمه لنُعرف أو نُعبر به عن بعض الأصدقاء الذين تعرفنا إليهم في مرحلة معينة تدعى "النضج"، أو يمكننا أن نطلق عليها مرحلة "انتهاء نسختنا النهائية".

أولئك الأصدقاء الذين استمرت علاقتنا بهم لمدة ليست بالبعيدة لتكون عمراً من الزمن، ولا بالقصيرة لنصفها بالعابرة.

هم الذين تعرفنا إليهم في مرحلة تبلورت فيها فلسفتنا تجاه الأشياء والأشخاص والأماكن والعلاقات، ومن ضمنها كان مؤشر قوة العلاقة؛ ذلك الذي كان يحدده في وقت سابق ولمدة طويلة "مدة الزمن"، لا نوع هذا الزمن وشكله!

أصدقاء النضج هم من تعرفنا إليهم بعد أن نضجت خِصالنا الأساسية، واختارت لها شكلاً وحجماً محدداً يناسبها ويليق بها، شكل يعبر عنا بشفافية، وهو الأقرب إن لم يكن هو النسخة النهائية منا، فبعدها لا يتضاءل حجم خصالنا تدريجياً وبشكل ملحوظ فيختفي كأنه لم يكن، ولا يزيد أكثر من المسموح به فتختلف خصالنا كلياً بالمضمون فلا نعود نعرفها.

هذا بالتحديد ما يميز أصدقاء النضج عن أصدقاء الطفولة الذين شهدوا الكثير من التقلبات، فكانت هذه التقلبات بمنزلة فرص ضائعة تهدد علاقتنا بهم، وتحكم عليها إما أن تكون باهتة وإما ثقيلة علينا وعليهم، فعلى الرغم من أننا مؤمنون بأننا أشخاص يتبدلون ويتغيرون، وهذا أمر طبيعي، فإننا نضرب بهذا الإيمان عرض الحائط عند أول موقف نواجهه ونتهم أطرافه بأبشع الصفات التي لا تشبههم، إما لأننا بالغنا بالحكم عليهم، وإما لأننا منحنا أنفسنا حق الحكم عليهم ومعاقبتهم.

كثيرة هي الرهانات التي خسروها أصدقاء الطفولة نتيجة توقعات وآمال وضعوها بشكل خاطئ، على عكس أصدقاء النضج، الذين أصابت كل توقعاتهم بنا، والسبب لا دخل له بأي من الاثنين، أو بذكاء تحليلاتهم، بل بنا نحن؛ ذلك لأن المواقف لم تعد جديدة كما في السابق حينما كنا نتعرف إلى أنفسنا من خلالها، كان مجموع المرة الأولى في مواقفنا كبيراً جداً على عكس مرحلة النضج بعد أن تكررت ونضجت نظرتنا وروحنا، فلم نعد نفاجأ من ردودنا على معظمها، فبالتالي نحن كما نحن لا نتغير أمام ذواتنا.

شكراً لأصدقاء النضج؛ لأنهم صادقوا نسختنا النهائية، وتقبلوها بكل نواقصها، وتفهموا أننا لم نرتق إلى منزلة الملائكة.

شكراً لأصدقاء الطفولة الذين نضجنا معهم وتحولوا إلى أصدقاء النضج.

شكراً لنا لأننا لا نخجل من عيوبنا التي تميز بعضنا عن الآخر، فما يميزنا ليس فقط خصالنا الجميلة، بل الناقص منها.

شكراً للمواقف التي شكلت أرواحنا وجعلتها تبدو على ما هي عليه.