الرفق بالحيوان  يسمو بالإنسان

أحمد العرفج
د. أحمد عبد الرحمن العرفج
د. أحمد عبد الرحمن العرفج

علَاقة الحيوَان بالإنسَان؛ علَاقَة شَائِكة، تَحتاج إلَى تَحرير وتَوضيح، وتَحليل وتَشريح، لأنَّ الحيوَان كَان شريكاً مَع الإنسَان في بِنَاء الحضَارة، ولَكن الإنسَان جُبِل مِن "طِينة" النَّذَالة وردَاءَة الخَاتِمَة، فحِين وَجَد التّكنولُوجيَا تَنكّر لرَفيق الأَمْس، وانْقَلَب عَليه، وأصبَح يَصمِه بالدُّونيّة، بَل ويَتّهمه بجَلب الأمرَاض، فمِن جنُون البَقَر إلَى أنفلونزا الخنَازير، ومِن أنفلونزَا الطّيور إلَى كُورونا الإبل، والأيَّام القَادِمَة حُبلَى بالاتّهَامَات؛ التي يكيلها الإنسَان للحيوَان..!
إنَّ البَشَر - بشَكلٍ عَام - لَا يَضعون الوفَاء في سُلّم أَولوياتهم، ولَكن هُنَاك طَائِفة مِن العُلَمَاء والأُدبَاء؛ لَم يَنسوا علَاقتهم بالحيوَانَات، فأخذُوا يُمجّدونها، ويُنزلونها مَكانتها، بَل ويَتعلّمون مِنهَا، ومِن حِكْمَتها، ومِن تَصرّفاتها الرَّاقية..!
ومِن أبرَز الأُدبَاء الذين يَطرقون بوّابة الذَّاكِرَة؛ لَحظة كِتَابة هَذه الفِكرة، هو أُستَاذنا القَدير "تَوفيق الحَكيم"، الذي كَان مَفتوناً بالحَمير، ولَه ثَلاثة كُتب تَحمل عنوَان: "الحِمَار".
كَما أنَّ أَديبنا "عبّاس محمود العقّاد"؛ كَان في شَبَابه يَجري لمُلَاحقة الطّيور المُهَاجرة؛ مِن أسوَان وإليهَا، وكَان في جَانِب آخَر مِن حيَاته؛ مُغرماً بالكِلَاب، وقَد دَوّنت الكُتب قصّة كَلبه "بيجو"، الذي نَعَاه حِين مَات بأفضَل النَّعي، وكَان آخَر كِلَابه المُحتَرمة..!
وتَذْكُر الكُتب أيضاً، أنَّ الأَديب الكَبير "لويس عوض"؛ كَان مُغْرَماً بالقطَط، واختَار العَشَرَات مِنها لتَعيش في مَنزله، ومَتَى فَتَح البَاب لأي ضيف؛ استَقبلته القطَط بأصوَاتها المُختلفة، ولَا تَهدأ حتَّى يَطلب مِنهَا صَاحب البَيت ذَلك.
ويَذكر الأُستاذ "أنيس منصور"؛ أنَّ الشَّاعِر العَذب "محمود حسن إسماعيل" كَان يَملأ جيوبه بالأفَاعي الصَّغيرة..!
أمَّا الأديب التّشيكي "كافكا"؛ فكَان يَعشق الصّراصير، ويُربّيها بجوَاره في المَنزل.
وأخيراً الأديب الأمريكي "همنجواي"؛ كَانت هوَايته الحيوَانَات مِن كُلِّ نَوع، ففي بَيته بمَدينة هَافَانَا الكُوبيّة، عَددٌ كَبير مِن الحيوَانَات، التي أتَى بِهَا مِن غَابَات إفريقيا والأمَازون.
في النهاية أقول:
إنَّ رَائد الوفَاء للحيوَانَات؛ هو الشَّاعِر الجَاهلي "الشنفري"، الذي استَودع سِرّه الحيوَانَات، ووَضَعَهم في مَكانة أُسرته، حِين فَضّلهم عَلى بَقيّة العَالَمين، مُتبَاهياً بوَفائهِ للحيوَانَات في لَاميته الشَّهيرة.