التّصالح مع الذّات

الدكتورة مايا الهواري
د. مايا الهواري
د. مايا الهواري

يُعرّف التّصالح مع الذّات بأنّه صدق الإنسان وشفافيّته مع نفسه، وأن يكون ظاهر الإنسان كباطنه، وهو ما يُعدّ نقيض النّفاق، الّي يُظهر فيه المرء عكس ما يُبطنه، فيبدو متّبعاً للفضيلة والصّفات والأخلاق الحسنة وفي الحقيقة غير ذلك، كما عُرف عن المنافقين الكذب، وإذا وعد أخلف، ولا يؤتمن الأمانة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النّبيّ قال: (آية المنافق ثلاث: إذا حدّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان)، وكما يقول المثل: إنّ المنافقين يأكلون مع الذئب، ويبكون مع الرّاعي.

وللنّفاق أنواع عديدة، منها النّفاق الاجتماعيّ، وهو الأكثر شيوعاً، ويدلّ على عدم التّناغم بين ما يقدّمه الفرد من سلوك وتصرّفات، وبين ما يعتقده ويعيشه، متجلًيّاً بهيئة التّظاهر بالنّقاء والصّفاء والأخلاق الحميدة، وفي الحقيقة يقوم بعكس ذلك، كأن يُظهر الكرم والسّخاء وفي داخله ينمو البخل الحقيقيّ، كما قد يُظهر المرء للمجتمع اهتمامه وتفاعله الاجتماعيّ، إلا أنّه في الواقع لا يولي اهتماماً لتلك الأمور المجتمعيّة؛ ما يعكس عدم صدق الفرد في تصرّفاته وتعامله مع الآخرين، مؤدّياً ذلك إلى ضياع الثّقة بين الأفراد، وبالتّالي انهيار العلاقات الاجتماعيّة.

إنّ من يمتلك الذّكاء العاطفيّ يتصرّف وفق مبادئه وإنسانيّته وأخلاقه الحميدة الّتي نشأ عليها في مجتمعه. ولعلّ أبرز ما يتمثّل به الذّكاء العاطفيّ هو قدرة الفرد على الفهم والتّصرّف بحكمة في العلاقات الإنسانيّة، فيصبح الفرد شخصاً صاحب إتيكيت معيّن، محاولاً ألّا يصطدم بالأشخاص، حتى لا يفقدهم، فالذّكاء الاجتماعيّ غالباً ما يعبّر عن ذكاء الشّخصيّة وقدرتها على التّواصل مع الآخرين، وصاحب الذّكاء الاجتماعيّ لا يأبه لكلام الآخرين عنه أو أنّهم منافقين أو غير ذلك، فهو يعلم نفسه جيداً، ويمتلك شخصيّة قويّة تجعله يتواصل مع المجتمع من دون الحكم على الآخرين ظاهريّاً، بل يتعامل معهم بشكل مباشر ودّي عمليّ، مترافقاً ذلك مع الصّبر والعمل والكلام الموزون المرتّب.

لذا، لا بدّ من تصالح المرء مع ذاته، وبرمجة حياته وفق المبادئ والأخلاق الحميدة الّتي تعدّ بوصلة دربه، والعمل للابتعاد عن النّفاق الاجتماعيّ، فيكون الإنسان صادقاً مع نفسه أولاً ومع الآخرين ثانياً، متعاملاً بنزاهة وتوافق بين القول والفعل، مع التّحلّي بالقوانين الاجتماعية، وتبنّي القيم الأخلاقيّة الحميدة.