الضحك حتى البكاء!

بالأمس نلتُ شرف حضور حفل ثقافي جمع كوكبة من أعلام الفن والأدب، في مناسبة ثقافية كنت آمل المشاركة في مثلها، واللقاء بمنْ كنت آمل محادثة أحدهم عبر الهاتف، وضم كثيرين ممن رأيتهم في التلفازات والصحف والمجلات، وكدت لا أصدق وجودي في هذا الجو الثقافي، وحدَّثتني نفسي أني ربما أحلم، وقلت: أمَعقول قد عرفت وصرت تحضر وتشارك؟ يا لها من مفاجأة! لابد أني أحلم، فلطمت وجهي بقوة لأفيق، وضحك مني الجميع، وقلت لنفسي تعقَّل يا فتى فكما اقتربت من هؤلاء الأعلام لابد أن تكون راسيًا، ورأيت ضمن الإعلاميين مذيعة فضائية ذات وجه عربي يشع أصالة، وتمنيت لو أنال شرف الحديث معها، حمدت ربي كثيرًا، فقد اقتربت من عالم المشاهير، ولابد أن أصغي جيدًا، وأشارك في الأحاديث، وأساير الركب الثقافي الإعلامي، ومازلت غير مطمئن، فلم أصدق أني أتوسط هؤلاء العمالقة، فضربت جبهتي ضربة ثانية، احمر لها سائر وجهي! قبلت بضحكاتهم وسخرية بعضهم! وقلت لنفسي مرة أخرى:

اندمج يا مجنون مع الكبار، ودعك من أفعالك الصبيانية، تعقَّل فربما قصصك ستلحق بالعالمية، يا لها من بهجة، فلابد أن كل ذلك سينقل ويُذاع على القنوات التلفازية، وربما سأغدو كاتبًا ضئيلاً وسط اللامعين، ومازلت أظنني أحلم، وفكرت بوسيلة إيقاظ قوية حتى لا أنجرف وأصدق نفسي، فالأفضل أن أوخز جسمي بدبوس، أغرسه في أجزاء من جسمي ليوقظني! وكان بيدي أوراق مثبتة «بدبوس» أستخدمها لتدوين ملاحظات حول الحفل، فنزعته ووخزت يدي بقوة، آي! فكِهوا مني ثالثة، لم تصدق أنك تجلس بصحبة بعض عمالقة الفن والأدب، تعقَّل وسايِر الركب، ودعك من أفعالك الغريبة، ولكن لا بأس، فالجنون فنون، وربما تحققت أحلامي الكبيرة، بعد أن كنت كاتبًا مجهولاً يسخر مني البعض، كلما رحت أو غدوت أسمعهم يتقهقهون هههه كاتب القصص والمقالات هههه! أحقًا سأصير معروفًا؟ ضحكت كثيرًا وكدت يُغمى عليّ، أرأيتم أحدًا بكى من شدة السعادة وأُغمى عليه من الضحك! فقد حدث، وربما سأصير كاتبًا معروفًا للمجلات والصحف، وربما ستتسابق دور النشر لترجمة قصصي، وسأستطيع الكتابة بحرية، ولم أعد أقبل شروط الناشرين المجحفة في عقود النشر، وربما سألحق بالعالمية، ولن أقل كثيرًا عن «جيه. كي. رولينج» J.K Rolling مؤلفة سلسلة هاري بوتر، ولم أعد ذلك الموظف الروتيني الذي تمقق عيناه طوال الشهر، والذي يحاسب على تأخيره اليومي خمس أو عشر دقائق، برغم مكوثه وتأخره لساعات طويلة، ليحصل على راتب يحاول توفيقه بين سداد أقساط المدارس والإيجار والبقالة وغيرها، والذي سينتهي منتصف الشهر كسائر الموظفين! فلم أعد ذلك الكاتب الذي تطرأ له فكرة ويخرج من أدراج عمله المكتبي ليدونها سريعًا ويصوغها مقالاً أو قصة أو خاطرة، ريثما توافر الوقت، فسأفيق وأستيقظ من نومي لأمارس كتاباتي المحببة إلى نفسي دون عائق، وفي خضم سعادتي وفرحي مرت بي مذيعة الفضائية بقوامها الفرعوني، وقالت لي الحسناء:

انتبه ورتِّب نفسك للتصوير، فتأهبت ورتبت حالي، واقتربت مني الإعلامية، وتبسَّمت فرحًا، وبادلتني بابتسامة هادئة، فسمعت صوتًا يناديني: أنت.. أعتقد أنه صوت مألوف وسمعته كثيرًا، ولكني منتبه للتصوير والحفل، وأريد أن أهرب عما يشغلني عن تلك الأجواء، وناداني الصوت من جديد: يا أستاذ.. وتلفتُّ حولي ومازلت أطالع وجه الإعلامية الأنثوي، وتوقفت وتلفت لأتحرى مصدر الصوت، وقد اختفى الحاضرون من القاعة التي كانت تضجُّ بهم! يا إلهي أين الناس؟ وتكرر الصوت مرة أخرى ناس مين! إصحَ، نعم، إنه لأمر مباغت.. تأخرت على الدوام، وأخرت الأولاد عن المدرسة، مدرسة! دوام! هببت سريعًا لأفيق وأطالع وجه زوجتي، وأتلفت باستغراب شديد في غرفة نومي، وأطالع على التلفاز أخبار الصباح ونفس مذيعة الفضائية بإطلالتها البهية الصباحية تذيع الأخبار المتوالية لكوارث ونكبات العالم المادي، وطالعت بتعجب لأتفحص غرفة نومي الباردة، فردت جسمي والتحفت سريعًا بالغطاء لأعود لمواصلة حلمي الجميل، ولكني انزعجت للمرة الأخيرة، إصحَ.. صار ليّ ساعة أصحي في جنابك! قمت أضحك وأحمد الله كثيرًا، فقد كان هاجسي حلمًا ربما سيتحقق في يوم ما.