المفضلة الفارغة

شهرزاد


نشعر أحياناً برغبة الخروج من حلبة السباق مع الحياة، والتوقف قليلاً لالتقاط الأنفاس، فأجسادنا المتعبة يجب أن تستلقي على غيمة مسافرة في الفضاء، يجب أن تقف أمام نوافذ الفرح لتتنفس بعمق، يجب أن تجلس على مقعد طريق هادئ، وتقرأ تفاصيل المارة باهتمام كأنها تتصفح كتابها المفضل، يجب أن تتخفف من كل تلك الأحمال التي جمعتها من مراحل العمر كأنها تُلقى عن ظهورها حجارة ثقيلة الوزن.



إنها المرحلة التي مر بها أغلبنا، ورغبنا فيها بالابتعاد عن كل الصخب والضجيج المحيط بنا، المرحلة التي نتمنى فيها أن نتنازل عن المجداف ونستلقي في القارب باتجاه النجوم، المرحلة التي نتمنى فيها أن نصعد المراجيح بطفولة ونصل إلى أبعد نقطة للسعادة والمرح..
المرحلة التي نتمنى فيها أن نمزق أوراق الأدوار التي لا تليق بنا، ونغير فيها أدوارنا على خشبة الحياة، ونسحب المقعد للجلوس بعيداً بين مقاعد المتفرجين، ونحول الحياة بكل شخصياتها وتفاصيلها إلى مسرحية تُعرض أمامنا دون أن نشارك فيها..



إنها المرحلة التي نتوقف فيها عن العرض، والتمثيل، والتصفيق، ونستمتع بالحياة كأننا نكتشفها للمرة الأولى، ونتمسك بالفرح كأننا نخشى أن نطلق سراحه فلا يعود إلينا.. 
إنها المرحلة التي تدفعنا إليها تلك المسؤوليات الموجعة التي تفرض علينا السباق مع الوقت، فنركض بلا انتهاء، وبلا استقرار، وبلا توقف، وحين نرغم على التوقف نكون قد وصلنا إلى مرحلة متقدمة من الوهن، فيصبح الاسترخاء هو الحلم الأول في قائمة أحلامنا، القائمة التي قد تخلو مع الوقت مع كل المفضلات التي كنا نضعها في الصفوف الأولى من اهتماماتنا.. 


فهل مر أحدكم يوماً بتلك المرحلة الباردة التي تصبح فيها المفضلات شاغرة، وتتشابه فيها كل الأشياء من حيث الحاجة والأهمية؟ فلا يكون فيها هواية مفضلة، ولا مدينة مفضلة، ولا كاتب مفضل، ولا أغنية مفضلة، ولا شخصية مفضلة، ولا علاقات مفضلة، ولا فصول مفضلة..
إنها باختصار تلك المرحلة التي تكون مفضلاتنا فيها فارغة من كل شيء، وتتساوى فيها بأعيننا وقلوبنا الكثير من الأشياء..


قبل النهاية بقليل: 
حين تصبح المفضلة فارغة، فنحن نكون قد فقدنا شهيتنا تجاه الكثير من الأشياء..