أنت طالق!

عبد الله باجبير

 

روحي أنت طالق.. ما أسهلها من جملة، وما أصعب ما يترتب عليها من نتائج، بل مصائب وكوارث.. كلمة تهدم أسرة.. وتهدِّد أمن واستقرار المجتمع بأكمله.. ربما الأطفال هم الأكثر تضرراً من حالة الانفصال بين الأبوين، فالأب يسارع للزواج والأم كذلك ولو بعد حين. وبذلك يكون الأطفال هم الضحايا بالدرجة الأولى، فالطفل لا ينشأ سوياً إلا في أسرة سويَّة، فإذا حدث الطلاق فإنَّه ينشأ عاجزاً عن التكيف النفسي والاجتماعي، وقد تمتلئ نفسه بالحقد والكراهية وعدم الثقة بالنفس، بالإضافة إلى أنَّ آثار الطلاق تظل ملازمة للأطفال حتى بلوغهم سن الرشد، ومن الممكن ألا يستطيع تجاوز عقدة الانفصال. وبعض الأطفال حين يصلون سن الزواج لا يفكرون في الارتباط، وإذا تزوجوا فإنَّهم لا يرغبون بالإنجاب وربما يقدمون على الطلاق أسوة بآبائهم.

طلاق الأبوين يزلزل نفوس أطفالهما.. ويصبح الطفل عرضة للإصابة بالأمراض النفسيَّة والجسميَّة التي تكون أسبابها نفسيَّة بالدرجة الأولى، وتذبذب الطفل بين بيئتين ومنزلين مختلفين يؤدي إلى عدم استقراره من الناحية النفسيَّة والشخصيَّة، وتنشأ لديه صراعات داخليَّة، وشعور بالضياع نتيجة فقدان الجو الأسري الذي يعيش فيه بين الأب والأم.. ويفقده الإحساس بالحبِّ والرعاية والاهتمام والأمان؛ مما يولد لديه مشاعر الغضب والعدوان، التي يتعامل بها مع من حوله، ويشعر الطفل بالإهانة والظلم والعنف ما يؤثر على قدرته في تكوين صداقات اجتماعيَّة، كما يؤدي إلى فقدان الحوار والتواصل بين الطفل ووالديه؛ نظراً لانشغال كل منهما بظروفه الجديدة مع زوجة وربما أبناء جدد، وتكثر الأعراض النفسيَّة لدى الأطفال في مرحلة الطلاق فيصابون بالتوتر والقلق والإحباط واليأس، ويظهر ذلك في أعراض جسديَّة من صداع وآلام بالمعدة وتبول لا إرادي. وتختلف الآثار النفسيَّة لأطفال الطلاق وفقًا لأعمارهم، فالطفل الرضيع لا يتأثر بدرجة كبيرة؛ لأنَّه لا يعي الصراع الذي يحدث بين الوالدين، لكنَّه أكثر تفاعلاً مع المتغيرات المحيطة به من ناحية الحالة النفسيَّة للأم؛ لأنَّها الأكثر قرباً له، أما الأطفال ما بين 3 و5 سنوات فيكون لديهم شعور بأنَّهم السبب في الطلاق ما يحفز لديهم السلوكيات العدوانيَّة ومشاعر الاكتئاب والغضب، في حين يشعر أطفال المدرسة بمشاعر الألم نتيجة انفصال الوالدين وفقدانهم الحبِّ والحنان والاستقرار؛ ما يولد لديهم مشاعر الحزن والكآبة، أما أطفال سن المراهقة فإنَّهم الأكثر تأثراً بسبب مشاعر الحزن والغضب من جهة، وعبء تحمل المسؤوليَّة الملقاة عليهم من جهة أخرى، فيحاولون لم شمل الأسرة وتربية إخوتهم الصغار ما يولد لديهم صراعاً نفسياً بين التكيف والضغوط الجديدة. الطلاق قنبلة موقوتة تهدد البيوت فرفقاً بالأطفال؛ لأنَّهم أمانة في الأعناق.