مسابقة القصة الفكاهية: العريس الطائر

العريس الطائر

من القصص الفكاهية المستوفاة لشروط مسابقة «سيدتي» للقصة الفكاهية القصيرة، نقدم لكم قصة: «العريس الطائر» لزينب هداجي.
مع العلم أن القصص لم تخضع لأي تصحيح، عدا التصحيحات اللغوية والإملائية، على أن تقوم لجنة الجائزة باختيار الأصلح بينها.


العريس الطائر
قمت بكل الاستعدادات اللازمة للسفر ونفذت كل الوصايا التي مدتني بها صديقتي «مها»، ذات ليلة شتوية باردة من الليالي التي فيها يكون زوجها خارج البلاد. لقد تحدثت معي هذه المرة بلهجة حادة على غير العادة. تناقشنا حول الموضوع الكلاسيكي الذي لا أطيق الحديث فيه: الزواج.
صديقتي ترثى لحالتي وتحزنها وحدتي، رغم أنني لا أشعر بالأسى الذي تشعر به تجاهي. حاولت هذه المرة أن أستمع إليها بجدية فقط؛ لأني بدأت مؤخرًا أراجع عدة خيارات سابقة. قررت أن أستمع إلى صوت آخر غير صوتي... عاتبني كثيرًا؛ لأني لا أصاحب إلا الرجال المفلسين أو الفقراء الذين يهربون بمجرد أن أطرح عليهم فكرة الزواج، ثم يتهمونني بأنني رجعية ومتخلفة رغم حصولي على الدكتوراه في علم الاجتماع. إنها تصرّ على أنني لا أجيد توفير المكان والزمان المناسبين للحصول على زوج من «النوع الرفيع» ولذلك نصحتني بأن أفعل مثلها ولا أدري لماذا جادت قريحتها بهذا الحل الآن بالذات. أشارت علي بأن أسافر بالطائرة من العاصمة إلى جزيرة جربة، كما فعلت هي عندما تعرفت إلى زوجها «هشام».
كانت تسرد ما حدث كطفل يقضم الشيكولاتة لأول مرة... ومهما يكن من أمر، فإنني أقوم الآن بما اقترحته عليّ كأميّ يسكن الأدغال ينفذ طقسًا دينيًا أمره شيخ القبيلة بأن يقوم به؛ ليتخلص من عذاب مرض عضال. توقفت آلة تفكيري عن نشاطها المعتاد.
قطعت تذكرة من الصنف الأول قرب النافذة، حلقت الطائرة، حلّقت بجناحين من حرير أبيض، أراوغ السحب في حركاتها وأنطلق مع الملائكة التي أشاهدها عادة في الأفلام: رضّع بجناحين أبيضين. أتلذذ بدغدغة الهواء لصدغي ولكل مفاصل جسدي.
«هبطت الطائرة بعون الله تعالى...»


انطلق صوت المضيفة في مكبر الصوت ليعلن عن انتهاء الرحلة، عن انتهاء فيلم الرسوم المتحركة الذي كنت ألعب بطولته. نظرت إلى المقعد الذي بجانبي فوجدته شاغرًا أما البقية فيشغلها نساء وأطفال وشيوخ كانوا يسرعون بالنزول. لا أحد ينتبه إلى وجودي. كنت آخر من نزل من الطائرة وتوجهت إلى قاعة الانتظار.


جلست كما اتفق على أحد المقاعد واتصلت بصديقتي صاحبة الاقتراح الذي أجد الكلمات لوصفه:«ألو (مها) تعالي إلى المطار لتنقليني إلى البيت سأرجع إلى العاصمة بعد قليل....»
عدت أدراجي نحو العاصمة عبر الطائرة ولكني لا أحس بها تطير، بل كأنني أقوم برحلتي اليومية نحو الكلية بسيارة أجرة. تلك الملائكة الصغيرة لا تحلق حولي. مرّ الزمن عبر ساعتي كعملية تشريح جثة. عند وصولي إلى المطار كانت «مها» بانتظاري. تبتسم كأمي وهي تستقبل نتائجي الدراسية. سلّمت عليها ثم قلت والضّحك ينال من توازني بالكعب العالي:


«في أي مقعد كان يجلس زوجك عندما تعرفت به؟»
أمسكت يدي لتمنعني من السقوط وقالت عبارتها التي تكررها دائمًا بعد كل خيبة من خيباتي كما تسميها هي: «سنتحدث بعد أن ترتاحي».
أما أنا فسأسافر المرة القادمة على ظهر بعير.