القصّة الاستثنائيّة لنور الدّين في البحث عن أبيه الأميركي!

نور الدين يمسك بين يديه تذكرة الطائرة للسفر إلى أمريكا بحثًا عن أبيه
نور الدين أمام البيت الأبيض في واشنطن
نور الدين يشرح كيفية وصوله إلى هوية والده بعد بحث واستقصاء
3 صور

نور الدّين محمّدي هو صحافي رياضي، يعمل ويتعاون مع عدد من الإذاعات والقنوات التلفزيونيّة الفرنسيّة، وهو اليوم في الخمسين من العمر، ولد وعاش وترعرع في فرنسا، ويحمل جنسيّتها، فتح عينيه على الدنيا؛ فوجد أمًا اسمها عائشة، ولكنّه عندما كبر قليلا كان دائمًا يتساءل عن الأب الغائب.
لم تُخفِ عنه أمّه السرّ الدّفين، ولم تؤلّف له رواية كاذبة وملفّقة، بل صارحته بالحقيقة حالما أصبح يدرك الأشياء، وأخبرته بأنّ والده هو جندي أمريكي، واسمه «جون واين نلسن»، جاء إلى فرنسا عام 1966، وكان عمره آنذاك 20 عامًا، وأقام لفترة ستّة أشهر بالقاعدة العسكريّة بمدينة «شاتورو» الفرنسيّة، وهي قاعدة تابعة للحلف الأطلسي، وأثناء إقامته بفرنسا تعرّف على أمه، وكانت تعمل نادلة، ونشأت بينهما علاقة، ثم حملت منه.

محاولات فاشلة
لم تطل إقامة الجندي الأمريكي في فرنسا طويلا، فقد جاءته أوامر من قيادته بالانتقال إلى «فيتنام»؛ ليحارب ضمن صفوف الجيش الأميركي، وانقطعت أخباره عن المرأة منذ ذلك التاريخ.
بعد رحيل الجندي الأميركي إلى فيتنام، وضعت المرأة ابنًا أسمته «نورالدّين»، وتمّ ترسيمه في سجلات الحالة المدنيّة بصفته مجهول الأب، وكان في فترة صباه الباكر ومراهقته يقول لأصدقائه ولجيرانه ولمعارفه، عندما يسألوه عن أبيه، إنّه أميركي، ولكنّ البعض منهم لم يصدّقوه، وعندما يذكر لهم أنّ اسم والده هو «جون واين» فإنّهم يسخرون منه؛ لأنّ هذا الاسم يحيل إلى اسم ممثّل أميركي شهير ونجم سينمائي؛ عرفه النّاس بتقمّص أدوار البطولة في أفلام رعاة البقر (الوسترن).

مشاعر فيّاضة
توفّيت الأم عام 2000، وبدأ نور الدّين في البحث عن والده عبر الإنترنت، وعبر سجلات الهواتف، ووسائل وطرق أخرى، فقد كانت له رغبة جامحة وملحّة في معرفة والده. تكرّرت محاولاته، ولكنّها باءت كلّها بالفشل، علمًا بأنّ السّلطات العسكريّة الأمريكية لا تتعاون في مثل هذه القضايا، ولا تكشف ولا تقدّم أيّ معلومة مهما كانت.
تزوّج نور الدّين، وعند ولادة ابنته البكر عام 1988، قوي إحساسه بمشاعر الأبوّة الفيّاضة، وزادت رغبته في البحث عن أبيه.
ومرّت أعوام بعد أخرى، وتكرّرت محاولاته للوصول إلى أبيه، الذّي لا يعرف منه إلا اسمه، ولا يملك حتى مجرّد صورة له، ولكن دون جدوى، إلى أن تمّ الاهتداء إلى مركز دولي متخصّص في البحث والاستقصاء؛ للعثور على آباء أو أمّهات الأبناء مجهولي النسب، بالاعتماد على الحمض النووي DNA. وبدأت رحلة جديدة لنور الدّين بعد أن ظهرت بوادر أمل جديدة.

قوانين
إنّ القانون الفرنسي يمنع إجراء التحليل الجيني الخاص بالحمض النووي، وهذا المنع له أسبابه: ففي فرنسا اليوم نصف مليون شخص مسجّل بصفته مجهول الأب أو الأم، وكلّهم وقع تبنّيهم، ورأى المشرّع الفرنسي منع إجراء التحليل الجيني لحمايتهم، فالقانون الفرنسي يسمح لأي فتاة غير متزوّجة أن تضع مولودها دون أن تدلي بهويّتها، ومن حقّها إن أرادت أخذ رضيعها أو تركه في المستشفى لتتبناه أسرة أخرى.
ومنع إجراء تحليل «الدي إن إيه» لعامة الناس دون اللجوء إلى أمر قضائي معمول به في إيطاليا ولكسمبورغ والتشيك، في حين أنه مسموح به في دول أخرى مثل إنجلترا.
ولذلك سافر نور الدين إلى إنجلترا في شهر سبتمبر (أيلول) الماضي لإجراء التحليل، ومقابل 79 جنيهًا إسترلينيًا أخذوا منه عيّنة من لعابه؛ لتحديد حمضه النووي، ثمّ أرسلوه إلى بنك معلومات أميركي يضم عددًا كبيرًا جدًا من «الدّي. إن. إيه» لأميركيين؛ لتبدأ عمليّة التقصّي والبحث.

الخبر السّعيد
واعتمادًا على DNA، وبالاستعانة بمختصّين في علم الأنساب بهذه التقنيّة، تمّ العثور على حمض نووي لفتاة أميركية اسمها «Amanda Canion «أماندا كانيون» من «سانت أنطونيو» بولاية تكساس، يقترب من حمض نور الدّين. وبالاتّصال بها تبيّن أن «جون واين نلسن»، والد نور الدّين، هو عمّها، وفي يوم 23 أكتوبر 2016، جاء الخبر السعيد لنور الدين، وأعلموه أنه تم التعرّف أخيرًا على والده بدقّة علميّة لا مجال للشك فيها.

الالتقاء بالأهل بعد 50 عامًا
وشيئًا فشيئًا، تمّ إعادة بناء مسيرة «جون واين نلسن»، والد نور الدّين، فقد عاد من «فيتنام» عام 1967، وبعد ذلك تعرّض إلى حادث سير في «تكساس» ومات شابًا، ولم يبلغ بعد الخامسة والعشرين، ودون أن يتزوج.
وبعد أن تأكد نور الدين من هويّة والده، وأصله وفصله، سافر منذ أسبوع إلى الولايات المتّحدة الأميركية، مرفوقًا بإحدى بناته؛ ليلتقي لأوّل مرّة بعمّته وبأعمامه وأبناء عمومته بمدينة «أوشان» بتكساس، وهو حاليًا يقيم بينهم، ومحل ترحيب منهم، وخاطبوه بالقول: «الآن لك عائلة».
وقرّر نور الدّين أن يؤلّف كتابًا عن قصّته الاستثنائيّة، وسيصدره في شهر سبتمبر (أيلول) المقبل، وعنوانه سيكون: «كيف وجدت أبي في تكساس؟!»، كما أسّس موقعًا «على الفيس بوك» أسماه: «أبناء ولدوا من آباء أميركيين مجهولين»؛ لمساعدة من هم في مثل حالته، وهم كثر، على الوصول إلى آبائهم.