العطاء الحقيقي

أميمة عبد العزيز زاهد

 لا يزعجني في حياتي أكثر من الشعور بالحيرة والألم الذي ينتابني حين أتلقى الإساءة وسوء الظن ممن قدمت لهم معروفًا أو ممن لم يروا مني إلا كل خير، ويزداد ألمي عندما تكون الأساءة من القريب أو ممن أكن لهم كل الحب والود! ومن منا لم يُصَبْ بالخيبة؟! ومن منا لم يتجرع كأس الخذلان من ناس كانوا الأحب إلى القلب والروح؟! فما أقساه من شعور! ولكننا في النهاية توصلنا لقناعة بأننا لن نستطيع إرضاء الناس ولو حرصنا، ورغم ذلك الألم فإنه يغلبني التسامح وأبادر بالصفح وأنا قادرة على رد الإساءة أو على الأقل أتوقف عن التعامل معهم، ولكن لا نفسي ولا ضميري ولا مبادئي تسمح بذلك؛ فأنا لم أنتظر يومًا رد المعروف بمثله، ولن أتوقف عن إسداء المساعدة لمن يحتاجها، ولن أترك فرصة تحثني على العطاء إلا وسأحرص عليها من أجل العطاء، وقبلها من أجل ربي الذي أمرني بذلك رغم أنهم -يا للأسف!- يحسبون تسامحي وتجاوزي عن أخطائهم ضعفًا مني،

فأنا أنظر إلى الناس بمنظار خاص، وأتوسم وأتفهم الخير والحق أو أي قيمة إنسانية سامية في كل من أصادفه، وأميل إلى تكبير الحقيقة الصادقة والتقليل من الحقائق القاسية، وأتعامل معهم على حسب مفهومي؛ فأتغاضى الأناني والكاذب والمبالغ والنرجسي، وأتجاهل البخيل والتافه الدكتاتوري، وأتقبل وأتحمل معاناة من يلجأ إليَّ بكل صبر.

وفي الوقت نفسه مؤمنة بقيمة الكلمة وعظمتها؛ فكلمة كفيلة بإنقاذ حياة إنسان أو ضياعها! فعشت رافعة الراية البيضاء، ولم أسمح لنفسي أن ترفع راية العصيان أو التمرد؛ فقد قررت الصمود وأنا أحتضن نفسي بقوة، وألجم لساني، ولكن صمتي طال، وصبري تعب من كثرة مواجهتي لمواقف سلبية ومشاكل عديدة أصابتني بالقلق وفقدان الثقة بالبعض وخائفة من أن تخونني قواي ويخذلني صبري في التعامل مع مثل تلك الفئات، وأصبحت أتردد وأفكر قبل أن أضحي بوقتي وأستنزف أعصابي على من لا يستحقون العطاء.

فأنا مؤمنة بأن هناك نقيضين لا يلتقيان ولا يجتمعان، وهما الإنسانية والأنانية، ويكفى أن أهب السعادة للآخرين ولو بكلمة؛ فأنا حريصة على ألا يبقى في مقدوري شيء أقدمه للآخرين إلا وأفعله؛ فالعطاء الحقيقي يكون حيث العطاء، وحسبي أنى أعطي.

وفضلت أن أختزن همومي في صدري، وأضع صدمتي في بعض الناس في حجمها الطبيعي، وستستمر رغبتي في العطاء؛ لأنها نابعة من أعماقي، ولكن في هذه الفترة، وفي هذا التوقيت، وبعد كل تجاربي سأركز على من يستحق عطائي؛ ليكون مثمرًا، وليس مجرد إهدار لا معنى له.

هو عطاء نابع بثقتي بأن كل فعل وحركة وقول لصالح أي إنسان يستحق العطاء ويكون مصدره وأساسه طلب رضا الله هو في الأصل عبادة.

وإني أدعو الله وأتوسل اليه أن يعينني ويساعدني ويقويني، وأن يبعد ويصرف عني الوجوه المقنعة والنفوس الضعيفة والقلوب المريضة..