أنت غاضب.. العالم يزاحمك الدوران

سلمى الجابري

أنت غاضب، العالم يشاركك الغضب، أوراقك تضطرب، مشاعرك تصطخب، الكل يزاحمك الدوران، لا أحد يجابه هذا التعب معك، لا أحد حولك، سواك أنت وأناك، وقد يبدو هذا كافيًا لك، لم تتعلم الكفاف بعد، يلزمك الكثير، الكثير من كل شيء، كي تدرك أنك وحيد، خالٍ تمامًا من كل الأصوات التي مازال صداها يتكرر بداخلك، كيف سأقنعك، وأنت المعتلّ بالانتظار، بالصمت، بالكتابةِ على زجاج النوافذ، والجدران؛ فحزنك لم يعد تكفيه الدفاتر، لم يعد يغريه البياض؛ كي تتشبث بالمجاز، رغمًا عن مخاوفك ومخاوفي.

لمرةٍ واحدة يا عزيزي، كن أنت الواقع، الحقيقة، العمر، اللحظة الراهنة، لمرةٍ واحدة لا تتجاوزني بالصمت، ولا حتى بالكبرياء، لمرةٍ واحدة دع الأحلام تعانق الأخيلة بمفردها، لمرةٍ واحدة لا تنتظر الحدث كي تبتعد؛ بل اخلق الأحداث كي تقترب، لمرةٍ واحدة فاجئ قلق هذا القلب بك.

لمرةٍ واحدة دع الكلام يبدأ، دعه يتكاثر حول فمك، يتكاثر فيك، فيّ وفينا، لمرةٍ واحدة دعه يفتتح المشاعر ولا ينهيها، دعه يتجذر، يجرح، يرتب، يكبر، يسقط، يدوخ، يتهاوى للعمق، يتوقف، يكمل الركض بحوافرٍ من جنون، يتغذى علينا، يغني لنا، يستمع جيدًا لهراء العالم، ثم يثرثر دون توقف، دع الكلام يأخذنا نحونا، ولا يعيدنا مطلقًا؛ فلا حاجةً لنا بالسكوت سوى الألم.

لمرةٍ واحدة اهتم، اقلق، فكر كثيرًا، فكر طويلًا، وخَف، خَف من خسارتي، من أن تستيقظ يومًا ولا تجدني، فكر بماذا لو لم أعد أختبئ فيك من قساوة الدنيا ومنك؟ فكر بماذا لو لم أترك لك قصائدي، تلعثم الكلمات الباكية في هاتفك؟ فكر لماذا لم آخذك معي هذه المرّة، ولم أعد؟ فكر يا عزيزي، قبل أن يمدّ لي الغياب يده فيشدني إليه قبلك.

لمرةٍ واحدة خذني، على محملِ الجد، خذني بقلبك، ببقايا المشاعر المؤلمة، خذني نحوك، وشاهدني كيف أحبك، كيف أحبني، وكيف أحبنا فيك، دون أمل..