ثقافة الطلاق!

عبد الله باجبير

تلاشت أو تكاد في دول الغرب وصمة العار الاجتماعيَّة التي تلحق بالطلاق.. وبالزوجة المطلقة.. وهل أصبح من المفيد بالنسبة للمجتمعات الغربية التي حققت فيها النساء استقلاليَّة اقتصادية أن تعود فيها عقارب الساعة إلى الوراء، إلى زمن تبعية النساء للرجال لمجرد الحفاظ على حياة زوجيَّة أصابها الاختلال؟

تستهل الكاتبة الأميركية «بربارا دافوي» كتابها «ثقافة الطلاق» بالقول إنَّ ثمة أخلاقيات جديدة ظهرت في المجتمع الأميركي أطلقت عليها اسم «أخلاقيات الطلاق»، وأنَّ هذه الأخلاقيات نشأت بدعم من الحركة النسائية، ومن النظرة الاجتماعيَّة الجديدة التي تركز على سعادة الفرد، وعلى إنجازاته الشخصية. وعبر صفحات الكتاب يمكن أن يتسلل للقارئ لوم الكاتبة على ما أسمته بـ«الطلاق التعبيري»، أو الطلاق باعتباره تحقيقًا للذات، وإرضاء للنفس، من دون الأخذ في الاعتبار أولئك الذين يتضررون من هذا الطلاق، وهم بالطبع الأطفال

وشيئًا فشيئًا تبدأ الكاتبة في رسم صورة كريهة للمدافعين عن «الطلاق التعبيري» خصوصًا إذا لم يكونوا طرفًا في العائلة التي توشك على الانهيار، وفي تشبيههم أيضًا بالنسور التي تفترس حوتًا منهكًا على الشاطئ بما لديهم من وقت طويل لمناقشة تفاصيل القضايا الشخصية، في حين لا يجدون وقتًا كافيًا للحديث عن ضرورة حماية مؤسسة الزواج، والحفاظ على بقاء الأب والأم والأطفال معًا في منزل واحد

من ناحية أخرى استعرضت الكاتبة في كتابها وجهة النظر الأخرى، رؤية مطلقة ترى أنَّ الحركة الرافضة للطلاق تتجاهل مصالح الأطفال التي تدعي بأنَّها تحميها. وتوضح ذلك بأنَّه عندما يكون الزواج محطمًا بشكل يتعذر إصلاحه عندئذ لا تكون هناك طريقة لتمويه ذلك على الأطفال؛ لأن ذكاءهم سيشعرهم بالمشكلة يومًا بعد يوم، وستكون آثار المشاكل بين الأب والأم عليهم أفدح؛ حتى عندما يكون الخلاف مستترًا

وتضيف المطلقة التي قام الكتاب باستعراض رؤيتها أنَّها ترعرعت في عائلة استفحل فيها الخلاف بين والدها ووالدتها، وكانت تعاني دومًا بسبب ذلك، وتبتهل إلى الله ألا يحدث ذلك مع ابنتها، وأنَّها قررت هي وزوجها الانفصال، شعر كلاهما أنَّ طلاقهما هو الحل الأفضل لابنتهما الصغيرة ولهما

وبالطبع كما تقول: إنها كانت قلقة حول تأثير الطلاق على ابنتها، وقضت الليالي تبكي خوفًا لأجلها، لكنَّها الآن وقد صارت ابنتها صبية في عمر المراهقة، وصار بإمكانها التفكير مليًا في بعض الأمور، تقول إنها سعيدة لكونها كبرت ونمت في منزل هادئ لأحد الوالدين، وإن ذلك كان أفضل من العيش في جحيم نزاعات الأبوين

إنَّ ثقافة الطلاق ضروريَّة بصدد هذه الأزمة الاجتماعية التي تؤدي إلى هدم الأسرة وتشريد الأبناء، لكن الطلاق -وهو أبغض الحلال- يكون أحياناً هو الحل الأفضل عندما تتحول الحياة الزوجيَّة إلى جحيم المشاكل والمشاحنات، وهي ثقافة ممكنة وضرورية؛ حتى لا يصبح الطلاق كارثة اجتماعية كما ننظر إليه في أغلب الأحيان

أشياء أخرى

«عند الغضب لا تحاسب أحدًا... وإلا فلن تجد أحدًا»