زواج القاصرات.. جريمة متكاملة الأركان

عبد الله باجبير

تحت

مظلة العادات والتقاليد وطلب الستر والعفاف والحصانة للفتاة، والهروب من مسؤولية الشرف، تتم جريمة متكاملة الأركان اسمها زواج القاصرات... هو فيلم مأساوي تتكرر تفاصيله كل يوم في عالمنا العربي. أبطاله: أب جشع جاهل متخلف يتحجج بالعادات والتقاليد وطلب الستر؛ ليقبض ثمن ابنته.

لكن ما يكون: زوج سبعيني.

ربما أكثر أو أقل ما يوصف به أنَّه وحش آدمي.

وطفلة هي الذبيحة، أو الضحية أو كبش الفداء... سمِّها ما شئت، تتم بها الصفقة، والثمن إعدام الطفولة شنقاً؛ مخلفة وراءها آثارًا نفسية واجتماعيَّة إذا لم يكن الموت.

القاصر تحرم من التعليم ومن الطفولة ومن حقها بحنان ورعاية والديها؛ لتصبح زوجة رغمًا عنها وأمًّا لا تدرك حجم مسؤولياتها. تلك الصغيرة لا تستطيع أن تفهم الواجبات والمتطلبات الزوجيَّة، فهي غير مؤهلة لها، جسدياً ونفسياً وعاطفياً؛ لتتحول الممارسة الزوجيَّة لتعذيب جسدي يفوق قدرتها على التحمل، تؤدي لحالات اكتئاب مزمن، وتذهب في حالات انطواء وتقوقع، وقد تفكر في الانتحار؛ لأنَّ ما تعيشه يفوق تكوينها البدني والنفسي الذي ما زال في طور النمو، وتزداد الأمور تعقيداً أمام مسؤوليات الحمل والولادة؛ لأنها تجد نفسها أمام مسؤوليات تفوق خبرتها في التعامل معها، خصوصًا تربية طفل والاهتمام به.

أما عن أهم المشكلات الصحيَّة التي تتعرض لها الزوجة القاصر فهي خطيرة جدًّا؛ منها اضطرابات الدورة الشهريَّة، وتأخر الحمل والآثار الجسديَّة، مثل تمزق الأعضاء التناسلية، وازدياد نسبة الإصابة بهشاشة العظام نتيجة نقص الكالسيوم، وفقر الدم، والإجهاض، وعدم تأقلم الرحم على عملية حدوث الحمل، وحدوث انقباضات رحميَّة تؤدي لنزيف، والولادة المبكرة، وارتفاع حاد في ضغط الدم قد يؤدي لفشل كلوي ونزيف، وحدوث تشنجات وزيادة العمليات القيصريَّة؛ نتيجة تعسر الولادات وارتفاع نسبة الوفيات، وظهور التشوهات العظميَّة في الحوض والعمود الفقري بسبب الحمل المبكر.

أما عن الآثار النفسية فتكون في فقدان الحنان العاطفي من الوالدين، والحرمان من مرحلة الطفولة والمراهقة، والحرمان من التعليم، والتعرض لضغوط تظهر بصورة أمراض نفسيَّة؛ مثل: الهيستريا، والفصام، والاكتئاب، والقلق، واضطرابات الشخصيَّة، واضطرابات في العلاقة الزوجية، والخوف، وافتقاد الشعور بالأمان. أما آثاره الاجتماعيَّة فزواج القاصرات يشكل ظاهرة اجتماعيَّة خطيرة لها تأثير سلبي على تكوين وبناء الأسرة، فهي مشروع لأسرة مفكَّكة مريضة نفسيًّا وصحيًّا واجتماعيًّا. فالزوجة الطفلة التي تعاني من عنف جسدي ونفسي لا تستطيع تربية أطفالها تربية سليمة؛ لأنَّها غير مؤهلة جسديًّا ونفسيًّا وإدراكيًّا وثقافيًّا لتربية أطفالها.

فماذا نحن فاعلون بمجتمعنا؟! نظلم أطفالنا.. وأطفالهم من بعدهم.. القضيَّة تحتاج لوقفة جادة وتكاتف كافة أفراد المجتمع؛ لمنع هذه الجريمة بحق الطفولة.

 

 

أشياء أخرى:

«العادة تذهب، والتعاسة تروح، ولا يبقى إلا الندم»