الشيخوخة ليست النِّهاية!

عبد الله باجبير

 

خطوط

وعلامات يخطها الزمن على وجوه وأجساد عشاق الحياة؛ لتذكرهم أحياناً بالزمن وعوامل تأثيره، فيستمر البعض بتقبل تلك الإشارات الزمنيَّة ويرفضها البعض الآخر بشدة، ويرفضون التعايش معها فيلجأون إلى الجراحات والوسائل التجميليَّة المختلفة التي وإن أفلحت جميعاً إلا أنَّها لا تفلح مع الرقبة التي تظهر آثار الزمن الحقيقيَّة التي مهما حاول الإنسان إخفاءها فهي تفضحها.

يقول الخبراء: إنَّ مفاتيح نجاح الانتقال الحتمي من مرحلة الشيخوخة هو تقبل التغيرات التي تطرأ على مظهر الإنسان وإندماجه في أنشطة هادفة وصادقة تمكنه من الانتقال بسلام إلى تلك المرحلة التي تتطلب الكثير من التعايش والسلام مع النفس ومع الحياة.

تقول سوزان وهيتبوورني، دكتوراه، وأستاذة علم النفس في جامعة  ماساشوسيتس أمهيرست، وهي أيضاً الرئيسة السابقة لرابطة علم النفس الأميركية في الشعبة المعنيَّة بالمسنين، إنه لسبب ما، يركز الناس على الجوانب السلبيَّة للشيخوخة، وهي تحذِّر من أن التركيز على الشيخوخة وآثارها السلبيَّة قد يدفع الإنسان للجنون. فالإنسان ليس بيديه أي شيء، فالساعة تدق في كل الأحوال.

والقليلون فقط هم الذين يعرفون كيف يشيخون ويصبحون سعداء، فهناك الجد السعيد الذي يشعر بالتعب سريعاً، لكنَّه مع ذلك يجد سعادته في كونه هرماً يحظى بحبِّ وحنان من حوله، ويشعر بالدفء الداخلي الذي أشعله الحبُّ الذي يحيطه، فهو لم يعد يهتم بشيء في هذه الدنيا إلا إسعاد من حوله، ما يشعره بالرضا في النهاية، وهناك المهندس المتقاعد الذي رأى في تقاعده فرصة لن تتكرر لممارسة الهواية التي طالما تمنى ممارستها، لكن ضيق وقته نتيجة لضغوط عمله لم يمكنه من الاستمتاع بها، هذا ما يمكن أن نطلق عليه الاستمتاع بالشيخوخة.

وقد لفت انتباهي بعض الاقتباسات عن الشيخوخة لأشخاص، البعض منهم معروف والبعض الآخر لا، ومن أهمها:

إنَّ الحبَّ لا يحمي من الحب، لكن يحمي إلى حد ما من الشيخوخة.

إنَّك لا تتوقف عن الضحك لأنَّك تهرم، لكنك تهرم لأنَّك تتوقف عن الضحك.

إنَّ الانتصار الحقيقي على الشيخوخة هو أن تبقي قلبك من دون تجاعيد.. أي مليئاً بالبهجة والأمل، وهذا أقوى انتصار على الشيخوخة.

هذا صحيح، فالشيخوخة تجلب المشقة والتعب والأمراض، لكن علينا أن نتذكر أنَّ الشيخوخة هي للناجين -وهؤلاء هم مجموعة مختارة في هذه الدنيا- والجوائز التي يحصلون عليها هي الحكمة والمرونة والمنظور الناضج للحياة، لكن يجب أن نؤكد أنَّ الشيخوخة في حد ذاتها إنجاز. فالشيخوخة تعني أنَّ الإنسان قد نجا من الكثير من التهديدات النفسيَّة والصحيَّة والأشياء الأخرى التي يمكن أن تقتل من هم في مقتبل العمر، لكن معنى أنَّ الإنسان وصل إلى مرحلة الشيخوخة فهذا معناه أنه الأقوى، ويستطيع أن يعيش لفترة أطول.

وهؤلاء الذين يعيشون مرحلة الشيخوخة بنجاح هم الذين لا يركزون على ما لم يعد يعمل بكفاءة في أجسادهم، لكنهم يشعرون بنعمة أنهم لا يزالون على قيد الحياة، ويستطيعون الاستمتاع بها.

فإذا قرر الإنسان أن يعيش في حالة تأمل وجدواها  في هذه السن وكيف أنَّ الوقت يمر سريعاً، فهذا معناه أنَّ هذا الإنسان سوف يمر بأقسى مراحل حياته في الشيخوخة، وسوف يسبب التعاسة لكل من حوله. فمن الأفضل أن يتقبل الإنسان التغيرات الحتميَّة للشيخوخة التي لا بد أن تحدث للجميع، وذلك بدلا من رؤيتها على أنَّها أزمة وكارثة.

ومن أجل أن يتكيف الإنسان بسهولة مع مرحلة الشيخوخة يجب أن يتوقع حدوث تلك المتغيرات الحتميَّة، وللأسف فهؤلاء الذين يكونون غير مستعدين لتقبلها يزيدون من عبء وضغوط الحياة على أنفسهم، ويدخلون في موجات عارمة من الاكتئاب والحزن على ما فقدوا وما لم يستطيعوا إعادته، لكن من المهم ألا يستسلموا وأن يحاولوا، فالمحاولة نفسها جزء من المعركة.

فالإنسان يجب أن يدرك أن هناك في الحياة ما يهم، وما يمكن الاستمتاع به أكثر من مظهره وكيف يراه الناس وما يظنون به. فالإنسان لا يجب أن يشعر بالخواء وأن دوره الفعَّال قد انتهى في الحياة ويغرق في الاكتئاب بمجرد أنَّه قد أدرك السن التي يجب أن يتقاعد فيها. فالنظرة الإيجابيَّة التي يجب أن يتبناها هي أن تلك المرحلة تعد نقطة لمرحلة انطلاق جديدة يستطيع فيها أن يستمتع بحياته من دون أي ضغوط ممن حوله.

فلا مفرَّ من الشيخوخة، إنها تصرع حتى الأبطال الذين لا يعرفون الهزيمة قط في ساحة الميدان، ولذلك فعليه أن يجد إيجابياتها التي حتماً لابد موجودة لكل من يكون مستعداً لرؤيتها.

 

أشياء أخرى:

«الحشمة المصطنعة وقاحة مزركشة»