رحلة لصيد المطر والغيوم

فاطمة لوتاه (الأمارات)

 

كانت تنتابني لحظات من القلق أثناء المغامرة التي قمت بها مع أخي وأختي لمنطقة حتا، لأنني كنت قد نويت أن أكتب نصاً عن تجربتي في المنطقة وفي النزول للوديان، لأنه من الصعب أحياناً أن توفق في تشرب المواقف والطاقة والحركة والوجوه وفي قلبك الكثير من نوايا، إحداها الكتابة عنها والثانية تصوير الجمال الطبيعي للمنطقة.
 
كان يوم الجمعة، بعد الغداء العائلي، في دقائق قليلة كنا نركض في كل الاتجاهات للاستعداد للرحلة، وكنت أجهز الكاميرات وأجهز حقيبتي الصغيرة وأساعد أختي في ترتيب سلة الفواكة والأطعمة الخفيفة. ربطنا أحزمتنا وانطلقنا نحومنطقة حتا للمغامرة. في الدرب سألني أخي إن كنا قد أحضرنا بطاقات الهوية الخاصة بنا، ولم نكن نحملها، والسبب لسؤاله بأننا سندخل الحدود الإماراتية العمانية، ولكنه طمأنا بأنه أغلب الأوقات الشرطة تتسامح مع العائلات كثقة. لن أخفي عليكم إنني كنت شبه خائفة ولكن الخوف الممزوج بروح المغامرة.
 
دخلنا المنطقة وعبرنا الحدود بسلام، دهشت لمناظر الجبال العتيقة، الجبال باختلاف تدرج ألوانها وأشكالها، بالضبط كانت رواسي الأكبر والأبعد ثابتة لا تتحرك أما الصغار والأقرب فهم يتحركون كالسحاب حولنا، كانت الدقائق الأولى ممتلأة بالدهشة التي غطتنا وجذبتنا للصمت في هيبة الجمال وصنع الله البديع. الجبال ضخمة وثابتة وكما يقول لي أخي بأنها تحوي الكثير من خيرات وأنها قديمة جداً. مررنا على الكثير من جبال وكانت أمامنا خلفنا الكثير من سيارات تحمل أرقام الإمارات ودبي خاصة، كنا جميعاً في رحلة جماعية لصيد الغيوم وزخات المطر الخفيفة التي تمنيناها وكان، نعم لقد رزقنا بزخات مطر خفيفة على الدرب وبين الجبال كموسيقى هادئة رتيبة ولكنها قصيرة، مع ذلك المطر في وطني من أعظم النعم، المطر في وطني وفي قلوبنا أجمل هدية وأعظم سعادة نتمناها.
 
وصلنا للوادي الذي أتينا من أجله "وادي القحفي" الذي أخبرني أخي بأنه البارحة كان هنا بعد سقوط المطر وبأنه كان أكثر امتلاءً وجرياناً، في أول نظرة للمكان بعد ترجلنا المركبة، شعرت بشعور لطيف يذكرني بأول رحلة لي مع أختي وعائلتها لحتا لأحد الوديان التي تمتاز بها هذه المنطقة العتيقة، وتذكرت فرحتنا برؤية الماء يجري بين الصخور وفي فجأة وجود الحياة بها في هيئة ضفادع صغيرة. ابتسمت وأنا أخرج كاميرتي لتوثيق اللحظات الجميلة والشمس الهادئة فوقنا ومرور السيارات أسفلنا عند الوادي، كنا نجلس فوق جبل مطل على الوادي الذي جف نسبياً كما قال أخي عن البارحة ولكن الناس كانت تتهاوى عليه، والأطفال يخلعون ملابسهم ويمشون ويستمتعون بجريان الماء والسباحة فيه، والفتيات بهواتفهن وكاميراتهن يلتقطن صوراً جميلة لهذا المكان ولإخوتهم، وهناك عائلة قد وضعت فراشها وأشعلت ناراً صغيرة عليه تفور دلة والأطفال حولهم يلعبون ويجمعون الحجارة ويرمونها في الماء، وهناك فئة شباب يضعون بعض الحجارة في أحد أذرع الوادي لصد المياه أو حبسها أو لربما التقيليل من قوتها، أخبرني أخي بأنها أحد النشاطات التي يقوم بها بعض الشباب ولم أفهم تماماً السبب، ولكن الحركة في المكان والسعادة التي أشعر بها منبعثة من الجميع جعلتني أتفكر فينا جميعاً كبشر، بالرغم من كثرة المراكز التجارية، بالرغم من كثرة وتنوع أسباب وأساليب الاستمتاع في وطني إلا أننا جميعاً أو لنقول أغلبنا سيقرر وسيخطط لرحلة لصيد الغيوم والمطر والبحث عن وادي يمشي للجلوس بجانبه والمرور عنده! نعم إنها لأكبر النعم التي ندعو بها ونستمتع بها، لأن المطر من أجمل بشائر الخير والرحمة التي ارتبطت في قلوبنا بالدعاء واللهفة.
 
كانت رحلة ممتعة نزلنا للوادي ومشينا فيه بأقدام حافية، واستمتعنا ببرودة الماء والأجمل حين كنت أمشي لاكتشف المكان كنت أسمع صوت هدير الماء المنبعث من باطن الأرض تحت الحجارة كأنها سيمفونية طبيعية تجعل قلبك يمتلأ بالحب وبالحمد بشدة. أتمنى أنكم لا تفوتوا هذه الفرصة في ملاحقة الغيم الماطر والبحث عن وادي بالقرب منكم في إجازة الاسبوع
وقضاء يوم على أطرافة مع العالم المبتهج والمحتفل ببشائر الخير.
 
حتى المرة القادمة، انتظروني مع مغامرة وتجربة جديدة.