عريس الغبرة

عبد الله باجبير

أنا فتاة في السابعة والعشرين، أرجو أن يتسع صدرك لفضفضتي، لن أبدا بالشكوى من العنوسة، فأنا حقًّا لا أعاني منها؛ لأنني راضية بقدر الله، وأعزّي نفسي دومًا بحكمته التي لا يعرفها سواه.

أعطاني الله جمالاً لافتًا، وقوامًا مميزًا، وأخلاقًا عالية بشهادة الجميع.. حصّنت نفسي بشهادات أخرى -الدراسات العليا- وعملت بعد معاناة مريرة مع البطالة في مؤسسة مرموقة، ووجدت فيها ما ينقصني، ناهيك عن الراتب الممتاز.. هذا العمل الرائع أكد لي ما يقوله ديننا وإسلامنا عن مزايا الصبر، فواصلت على دربه في كل نواحي حياتي، ومنها الزواج، لا أعرف لماذا لم أتزوج؟ لكنني أقسم لك بالواحد الأحد أن كلَّ من تقدم لي تسبقه عيوب لا يرضى الله أن أعذِّب نفسي بها.. وأحتار في تفسير عقليتهم.. أظنه غرور الرجل الشرقي، الذي يرى في التقدم لخطبة امرأة تضحية عظيمة منه يقدمها لها.. وهذا ما يدفعني للبكاء أكثر من العنوسة نفسها.

منذ مدة تقدم لخطبتي شاب يعمل في مجال مرموق في البلاد.. لم يتوقف لحظة عن ذكر مجال عمله هذا، لأنه لا يملك ميزة غيره..أصر على طلبه، وعاود الكرَّة مرارًا وتكرارًا وأنا أرفض، لأنه يصغرني سنًّا، وهو لا يعرف ذلك؛ لأنني أبدو أصغر من سني بعشر سنين.. وبعث لي منْ يقنعني برؤيته على الأقل، مؤكدًا أنني لن أندم.

لم يكتفِ الوسطاء بذلك، بل سمعت منهم أقسى الكلام عن الساعة البيولوجية، وعن نهاية العنوسة، وأن محطتها الأخيرة الجنون، أو الانتحار.

وافقت على رؤيته.. وياليتني لم أفعل.. لقد جاءني أشعث أغبر.. أسنانه صفراء أو بنية.. كأنه لم يغسلها لسنوات، وثلاث من الأسنان الجانبية غائبة، أصلع إلا من بقايا شعيرات لم يكلف نفسه عناء تمشيطها على قلِّتها.. كان سمينًا سمنة غير عادية بالنسبة لي.. أخبرني أنه يتناول دواءً مهدئًا للأعصاب وهو سبب سمنته.

كان يتحدث والبصاق يتجمع في جانبي فمه، ليتطاير عند أول حرف ينطقه، ويرتدي معطفًا باليًا، يرتديه كبار السن.. وتفوح منه رائحة مقرفة، وهي مزيج من رائحة التبغ والبنزين.. سألته لِمَ الإصرار على خطبتي؟ ولماذا أنا بالذات؟ أجابني لا أعرف شخصيتك، ولكن الناس تتحدث عنك بكل خير، وما جذبني إليكِ مظهرك، ويهمني المظهر كثيرًا.. وليس عيبًا فالله جميل يحب الجمال... تابع ضاحكًا بثقة: لست وسيمًا، لكنني أكتفي بجمالك ليحدث التوازن بيننا.

لا أريد جميلاً.. ولا أتحدث عن الجمال، ولكن ملامحه أصابتني بالصاعقة، أتحدث عن المظهر اللائق الذي لم يكلف نفسه عناء الاهتمام بترتيبه لمقابلة كهذه..عدت إلى البيت، ولا أدري كيف عدت.. ولا أي طريق سلكت.. وبكيت كما لم أبكِ في حياتي.. شعرت بالإهانة.. بالسخط.. بالغضب بالحسرة..المرأة منا عندما تذهب لمقابلة للزواج تلبس أحسن ما عندها، تتعطر.. وتنتبه لأبسط حركاتها.. لكن الرجل لا يفعل... وكأن المرأة عمياء.. وهو وحده البصير.

بربك يا أستاذ.. من أين هؤلاء بكل هذه الثقة عندما يتقدمون للزواج؟ لماذا يختار الرجال زوجاتهم على الفرازة.. ولا يقفون ثانية واحدة أمام المرآة؟ هل حقًّا الرجل لا يعيبه إلا جيبه؟

هل من قانون العنوسة أن تتغاضى المرأة عن الشكل..والذوق..واللياقة..أجبْني يا أستاذ؟

ولا أراك الله مكروهًا.

سليمة / الجزائر

 

< < < ياه يا «سليمة» لقد مسحت بالرجل البلاط، ولم تجدي فيه ميزة واحدة، مشكلتك يا «سليمة» أن عقلك أكبر من جمالك.. والإنسان قد يشقى بعقله أكثر من أي شيء آخر.. وهذا رأي الأستاذ «العقاد»، ورأيي خففي شوي يا «سليمة».

 

 

أشياء أخرى:

«إذا كنت تُخيف كثيرًا... فاحترس من الكثيرين»