زواج النَّهار

عبد الله باجبير

زواج النَّهار إضافة جديدة أو مولود جديد يضاف لمسميات الزواج الحديث إذا صح التعبير، فبعد «المسيار» و«المسفار» و«المصياف» و«الابتعاث» يأتيك هذا النوع الجديد من الزواج؛ لينتشر في المجتمع السعودي، أبطاله الموظفون الذين لجأوا إليه؛ بحجة عدم قدرتهم على الزواج في ظروف طبيعيَّة، خاصة في حالة شك وتسلط الزوجات ومراقبتهن الدائمة لأزواجهن، وعدم السَّماح لهم بالخروج في أوقات متفرقة، وبالتالي يستغل الأزواج وقت ذهابهم للعمل نهارًا ليخرجوا منه إلى عش الزوجيَّة السري، وهو زواج مثل «المسيار» عبارة عن عقد صوري، البعض وجد فيه حلاً للعنوسة وهربًا من هذا اللقب، وأنَّه طريق سهل للقضاء على هذه المشكلة.

والبعض الآخر وجد مساوئه أكثر من محاسنه؛ لأنَّ بعض الأزواج يعتبره تمشية حال، أو تغيير فسحة لساعات. ليس فيه التزام برعاية الزوجة والنفقة عليها، وأيضًا في حالة إنجاب الأطفال فقد يتملص الأب من رعايتهم ومسؤوليتهم، خصوصًا أنَّ الزوج لا يزور زوجته إلا وقت الظهيرة، وباقي ساعات اليوم هو زوج لأخرى، وربما لأخريات. ولك أن تتخيل أروقة المحاكم والجهات القانونيَّة، والقضايا المتكدسة بها بسبب هذا النوع من الزواج.

بعض السيدات تجد بهذا الزواج حلاً للهروب من العنوسة، وأنَّ الفتاة أحيانًا تكون لديها ظروف أسريَّة قاهرة تمنعها من مغادرة منزل أسرتها لرعاية والديها، فلا بأس بزواج النَّهار، بشرط أن تتوافر فيه الشروط الشرعيَّة الكاملة.

رأي معارض لسيدة أخرى تقول: لا أعترض عليه ما دام بشكل شرعي، ولكن الاعتراض على سوء التعامل مع هذا النوع من الزيجات، واعتباره تحصيل حاصل لبعض الأزواج، فهو بمثابة إهانة للمرأة، فكيف بامرأة تقبل أن يأتيها زوجها فترة عمله ويخرج خلسة؛ لكي يجلس معها ساعة أو ساعتين؟! ومن ثم يخرج لعمله غير آبه بما يسببه لها من جرح وألم، والمشكلة ليست فقط في الزوج الذي يقبل على هذا النوع من الزواج، لكن أيضًا في المرأة التي تتنازل عن كامل حقوقها في هذا الزواج، لدرجة أنها لا تفكر في عاقبته، فأين المستقبل؟! وأين الأبناء من زوج سري يقضي معها ساعتين فقط؟!

الزواج إشهار وإنجاب. فكيف يكون زواجًا بلا إشهار وبلا أطفال؟!

المأذون الشرعي أحمد المعبي له رأي آخر، يقول: الناس لا يكفون عن إطلاق الأسماء على عقد الزواج؟ فإذا تزوجت المرأة بطيار قالوا زواج «المطيار»، وإذا تزوجت بسائق قالوا زواج «المسواق»، وإذا أتاها نهارًا قالوا زواجًا نهاريًّا. وبغض النظر عن المسميات أو الألقاب، طالما هو عقد بين اثنين فيه إيجاب وقبول، وتتوافر فيه الشروط يعتبر زواجًا صحيحًا مكتمل الشروط.

وهكذا تدفع العنوسة النساء وتدفع العزاب الرجال إلى اختراع مسميات للزواج الذي هو ليس زواجًا كاملاً تتوافر له أسباب ونتائج الزواج الصحيح، ولا هو متعة خالصة بلا مسميات, والعزوبية مشكلة والعنوسة مشكلة أكبر، والحل كما ناديت مرارًا بإتاحة الفرص الاجتماعية لتعارف الشابات والشباب، بدلاً من الأبواب المغلقة والنوافذ الموصدة، والتمسك بالمهور الهائلة والتقاليد البالية.

علينا أن نساير العصر، علينا أن نتيح فرصًا أكثر للشباب والشابات للتعارف، علينا أن نكف عن المظاهر الفارغة، علينا أن نكون واقعيين وإلا كثرت الحيل والمسميات الفارغة لحل أزمة الحاجة إلى الآخر، وهي حاجة بيولوجية واجتماعية وضرورية للزواج الصحيح والأسرة الحقيقية.. إننا بحاجة إلى عقول متحررة وتقاليد سهلة؛ حتى نحصل على مجتمع سليم وأسرة كاملة.

أشياء أخرى:

 «ماذا تفيد رسائل الحبِّ، عندما تأتي متأخرة عن الحبِّ»