مفترق طرق

شهرزاد

 


يؤمن أغلبنا بأن ليست كل العلاقات تنتهي بمجرد أن نقول وداعاً، ولا كل المشاعر تتلاشى بمجرد أن نعلن النسيان، ولا كل الأسباب قد تبدو بعد الفراق مقنعة.. 


فحين نصل إلى الميناء الأخير من الحكاية، نجد أنفسنا أمام مفترق الطرق، فنضطر لاختيار وجهة واحدة، رغم يقيننا أن مدينتنا الفاضلة قد تكون في نهاية الطريق الذي أدرنا له ظهورنا مرغمين، فنحن قد نفقد عند مفترق الطرق حقنا في انتقاء الطريق الذي نرغب، وحقنا في الاحتفاظ بالكثير من أمنياتنا، وحقنا في تقاسم الطريق الواحد مع أرواح ندرك أنها أنصافنا الحقيقية، التي لن نشعر بالاكتمال بعدها مهما اكتملنا،فننتقى ما لا نريد من الطرق ومن الحكايات ومن الأدوار، ثم نغادر لندخل في حالة من التخبط الداخلي، ولنكتشف أننا أضعف من تجاوز عراقيل الحنين، الذي يلتصق بنا كرفيق رحلة عمر طويلة، فيمضي معنا، ويكبر معنا، ويبكي معنا، ويتألم معنا، ويتحول مع الوقت إلى عاطفة صديقة أو مؤذية..


وأنت تحولت بعد الرحيل في داخلي إلى كتلة حنين مؤذية، كلما التصقت بي أوجعتني..
فأنا أحن إليك كوطن أرغمت على الرحيل منه، كأرجوحة طفولة أفلتت يدي حبالها ولم تعد، كمنزل قديم أوهموني وأنا أبكي على عتبة بابه في اليوم الأخير، أن الجديد سيكون أجمل..


أحن إليك كحكاية قبل النوم، تسرد بحشرجة صوت جدة مسنة، كإحساس الأمان عند سماع همهمات صوت أمي في صلاة الفجر، كرائحة عطر أبي في فناء المنزل عند عودته من سفر طويل، كتلك الفرحة التي كانت تدفعني إلى أن أضع فستان العيد وحذاء العيد وحقيبة العيد بجانبي، وأنا أبتسم لهم قبل أن أغفو بانتظار شمس العيد..


أحن إليك..ككل الأشياء الجميلة التي استيقظت منها حين ارتفع صوت رنين الواقع، وتحولت إلى مجموعة أحلام فقدت لونها الأخضر، وأصبحت كتلة صلبة كأنها لبنة في جدار قديم، كلما التفت إليها وجدتها تزداد صلابة! 
فأنا منذ أن أدرت لحكايتك ظهري، وأنا أكثر الالتفات إلى الخلف، فأسمع الأصوات ذاتها، وكأن أذني قد احتفظت بصوت خطواتك وأنت تمضي، وبصوت انهيار مدينة أحلامي وأنا أغادر..


قبل النهاية بقليل: 
قد تشعر أحياناً بوجع لا تعرف سببه، ثم تكتشف أن كل ما في الأمر، أن أحدهم كان هنا... ولم يعد!